انفوجرافيك: يدرك السياسيون العراقيون أن إدارة بايدن لا تملك الكثير من الوقت أو الموارد لتبديدها في بلادهم. وهذا ما يشكل قلقاً للذين يأملون رؤية الولايات المتحدة تلعب دوراً هناك، وأن تكون لها علاقات وثيقة مع العراق، أما الذين يناصرون إيران، والذين يرون الولايات المتحدة كتحدٍّ لخططهم، فيمثل ذلك تطوراً مرحباً به، لهذا يجب ألا نمنحهم ما يرغبون به.
اختفاء العراق من أجندة بايدن خطأ كبير
تقدم الانتخابات المقبلة فرصة لتغيير الوضع في العراق واحتواء إيران في هذه العملية.
* منى العريبي/ “الفورين بولسي” 21 يناير 2021
يوم الخميس الماضي، شهدت بغداد تفجيرين انتحاريين في سوق مزدحمة، نجم عنه مقتل 32 شخصاً، وجرح نحو 100 آخرين. وكان الهجوم هو الأكثر دموية منذ سنوات عدة. ويذكر هذا التفجير، الذي وقع بعد يوم واحد من أداء الرئيس جو بايدن اليمين الدستورية، بأن الأخطار المحدقة بالدولة العراقية حقيقية، وأن وضع هذا البلد لايزال غير مستقر بطرق عدة.
ويلفت هذا الهجوم الانتباه إلى أن العراق بحاجة لأن يكون على جدول أعمال إدارة بايدن، على الرغم من أنه ليس من الأولويات لهذه الإدارة على ما يبدو. وبالنظر إلى التأثير الاستراتيجي للولايات المتحدة في سياسة الشرق الأوسط، وآثار نجاح أو فشل العراق في موقف الولايات المتحدة بالعالم، فإن الطريقة التي سيتعامل بها بايدن وفريقه مع العراق ستكون مركز اهتمام وثيق في الشرق الأوسط والعالم.
فترة حرجة
ويعيش العراق فترة حرجة، في الوقت الذي يستعد فيه للانتخابات الوطنية في أكتوبر المقبل، والتي يمكن أن تساعد الدولة في الخروج، أخيراً، من قبضة الفساد، والأحزاب الطائفية، أو تخسر كل المكتسبات التي حققتها حتى الآن.
ويدخل فريق بايدن إلى البيت الأبيض بعد 10 سنوات من «الربيع العربي»، الذي لم تحسن واشنطن التعامل معه. ويوجد في عراق اليوم حركة وليدة، لكنها مهمة بين صفوف الشبان العراقيين لرفض الهوية السياسية المستندة إلى الطائفية، والتي تنطوي على تاريخ دموي، نتيجة استغلالها لتعميق الانقسام بين مكونات الشعب العراقي الدينية والعرقية. وإذا لجأت الولايات المتحدة إلى الاقتراحات القديمة، التي تعمق الانقسامات الطائفية في العراق كطريقة لحكم الدولة، كما اقترح بايدن في السابق، فإن الأسوأ سيقع في العراق. لذلك يتعين على واشنطن دعم السيادة، والاستقرار، والحكم الرشيد في العراق.
إرث العراق
وكما هي الحال لدى بايدن، فإن العديد من المسؤولين في الإدارة الجديدة يمتلكون إرثاً في العراق، فالرئيس الجديد زار العراق مرات عدة، عندما كان عضواً في الكونغرس الأميركي ونائب الرئيس.
وعندما كان بايدن رئيساً للجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، لعب دوراً مهماً في منح الرئيس جورج بوش الابن التفويض لغزو العراق عام 2002. وفي عام 2006، كتب بايدن مقالة رأي في صحيفة نيويورك تايمز، اقترح فيها تقسيم العراق إلى مناطق طائفية، وعرقية. وعلى الرغم من أن مصادر مقربة من بايدن قالت إنه تخلى عن هذا الموقف منذ زمن طويل، فإنه يتعين عليه إلغاؤه مباشرة. وعندما كان بايدن نائباً للرئيس كلفه الرئيس السابق، باراك أوباما، بالإشراف على ملف العراق، واعتبر حينها على نطاق واسع أنه صانع الملوك، عندما ألقى بكل ثقله خلف رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، كي يحكم فترة ثانية عام 2010. لكن في الوقت ذاته، بذلت إدارة أوباما كل ما بوسعها لتجاهل تدخلات إيران الهدامة في العراق.
وبايدن ليس وحده الذي يملك تاريخاً مهماً في العراق، والذي ظل مسكوتاً عنه خلال فترة الحملة الانتخابية، فقد رشح شخصين: الأول لويد أوستن لوزارة الدفاع، والثاني أنتوني بلينكن لوزارة الخارجية، وكلاهما يعرف العراق جيداً. وخدم أوستن كجنرال في حرب العراق عام 2003، ومن ثم أصبح رئيس القيادة المركزية الأميركية، حيث أشرف على انسحاب القوات الأميركية من العراق، ومن ثم عودتها من أجل قتال تنظيم «داعش» الإرهابي. وعن طريق تعيين باربرا ليف في منصب مدير أول للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجلس الأمن القومي، وبريت ماكغورك كمنسق للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يكون بايدن قد جلب اثنين من الدبلوماسيين المخضرمين، إذ عملا في العراق إلى قمة صنع القرار في مجلس الأمن القومي.
جلب الخبرة إلى طاولة صنع القرار
ويجلب هؤلاء المسؤولون خبرتهم وعلاقاتهم الشخصية في العراق إلى طاولة صنع القرار، لكن العراق تغير بصورة جذرية منذ أن كان يعمل هؤلاء فيه. ويعتبر رئيس الحكومة الحالي، مصطفى الكاظمي، أول رئيس حكومة غير إسلامي منذ عام 2005. وهو من أنصار الحكم المدني وغير الطائفي في العراق. وكذلك الرئيس برهم صالح، فهو من أنصار الحكم غير الطائفي، وهو سياسي تقدمي، ويجب عدم تضييع الفرصة للعمل معهما.
وثمة فرصة ضيقة لكن مهمة، لتغيير مسار العراق بصورة جذرية، لكن ذلك لن يكون سهلاً. وبالنظر إلى أن الانتخابات ستكون في أكتوبر المقبل فإن فرصة العمل مع الكاظمي وصالح محدودة، تقل عن تسعة أشهر. ومع إجراء الانتخابات المقبلة وتشكيل الحكومة، سيبذل قادة الميليشيات الفاسدون، ووكلاء إيران، كل طاقتهم لإبعاد الأحزاب، والسياسيين العلمانيين والتقدميين عن السلطة. ولتجنب حدوث ذلك، يتعين على الإدارة الأميركية الجديدة أن تكون لها ثلاث أولويات في العراق:
أولاً: يتعين على الولايات المتحدة ألا تسمح للعناصر المتطرفة بالهجوم على المصالح الأميركية في الدولة، والتي لا تتضمن أمن السفارة، والقواعد العسكرية الأميركية فقط، وإنما استقرار العراق بصورة عامة، بما فيه حكومته، والبنى التحتية والمنشآت النفطية، والحدود مع دول الجوار، خصوصاً المملكة العربية السعودية، والأردن والكويت. ويتعين على الولايات المتحدة دعم الحكومة الحالية، عن طريق تعزيز قدرتها على توفير الأمن والخدمات الأساسية للشعب العراقي، ودعم الحكم المدني والتقدمي كي يحصل على مزيد من الشرعية.
ثانياً: ثمة صراع أفكار ومُثل يدور في الشرق الوسط، والولايات المتحدة جزء من هذا الصراع. فسواء في لبنان أو العراق يرفض الشبان الطائفية والفساد والمحسوبية. ومضى 30 عاماً على انتفاضة 1991، عندما طالب العراقيون بالتغيير في بلدهم. وعندما تم قمع هذه الانتفاضة إثر حرب عاصفة الصحراء، التي قادتها الولايات المتحدة لإخراج الجيش العراقي من الكويت، وقفت الولايات المتحدة متفرجة على مقتل الآلاف من العراقيين. وقبل نحو عام، خرج العراقيون إلى الشوارع مطالبين بحياة أفضل. ويجب على الولايات المتحدة ألا تقف مكتوفة الأيدي مرة أخرى إزاء طموحات العراقيين، بل يجب عليها مساعدتهم لدعم الحكم المدني والتقدمي.
ثالثاً: يجب على واشنطن أن تواجه سياسة التوسع الإيرانية في المنطقة عن طريق مساعدة العراق في الحصول على سيادته، وإبعاد التدخلات الأجنبية فيه. وفي الحقيقة، إن ضمان سير العراق بثبات نحو وضع الدولة المستقرة واللاعب المحايد والفعال في المنطقة، يمثل فائدة للمصالح الأميركية، ومصدراً للاستقرار في المنطقة.
والغريب أنه لا يأتي ذكر العراق في واشنطن، على الرغم من أنه يوجد شبه إجماع على أن إيران ستكون من ضمن قضايا السياسة الخارجية لإدارة بايدن، التي ستعمل على معالجتها سريعاً. لكن معالجة إيران وبرنامجها النووي بصورة معزولة تمثل قصر نظر، إذ إن سياسات إيران التوسعية، خصوصاً في العراق، جزء من المشكلة، وتجب معالجتها ووقفها.
وخلال جلسة المصادقة في البرلمان، قال بلينكن إن دول الخليج العربي وإسرائيل ستنخرط في مفاوضات مع إيران بشأن دورها في المنطقة. ولم يكن هناك أي ذكر للعراق، على الرغم من أنه مركز طموحات إيران التوسعية في المنطقة.
سوء فهم
وثمة سوء فهم شائع بأن إيران لديها ما اعتادت وصفه بـ«دور طبيعي» لها في العراق، سواء كان ذلك بسبب العلاقات الثقافية أو طموحات إيران للهيمنة. ومع ذلك ليس هناك سبب يدعو إيران لأن يكون لها دور أمني أو سياسي في الدول الأخرى ذات السيادة. وبلاشك فإن العلاقات الثقافية مهمة، لكن وجود ميليشيا في العراق تابعة للحرس الثوري الإيراني، تعمل بأوامره، وتعبر الحدود بحرية، يعتبر أمراً يتجاوز بكثير التأثير الثقافي. والحقيقة، يجب ألا ينظر إلى العراق فقط ضمن السياق الإيراني.
وتمتلك الولايات المتحدة عدداً من أدوات النفوذ التي يمكن أن تستخدمها في العراق، إذ إن الوجود المحسوس للأميركيين، سواء كان السفارة أو الجنود الأميركيين، مطلوب لإظهار مدى التزام واشنطن، وللمساعدة على تأمين استقرار العراق. وبمعزل عن حلفاء إيران المتحمسين في بغداد، الذين يتمنون طرد الولايات المتحدة إلى خارج العراق، يفضل القادة السياسيون الوجود الأميركي لمعادلة كفة النفوذ الإيراني. وحتى رجل الدين، مقتدى الصدر، الذي حارب أتباعه ضد الولايات المتحدة، فإنه يفضل بقاء النفوذ الأميركي في العراق لتجنب السيطرة الكاملة الإيرانية على البلد. وثمة أداة أخرى هي العقوبات التي استخدمتها إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، بصورة متكررة. وهذه العقوبات تعد مؤشراً إلى من ستعمل معه واشنطن ومن لن تعمل معه. وأي شخص تصنفه الولايات المتحدة كزعيم ميليشيا، يمكن أن تنتهي طموحاته السياسية، وتمنعه من دخول الحكومة وتسلم السلطة.
ويدرك السياسيون العراقيون أن إدارة بايدن لا تملك الكثير من الوقت أو الموارد لتبديدها في بلادهم. وهذا ما يشكل قلقاً للذين يأملون رؤية الولايات المتحدة تلعب دوراً هناك، وأن تكون لها علاقات وثيقة مع العراق، أما الذين يناصرون إيران، والذين يرون الولايات المتحدة كتحدٍّ لخططهم، فيمثل ذلك تطوراً مرحباً به، لهذا يجب ألا نمنحهم ما يرغبون به.
*مينا العريبي : صحافية بريطانية من أصل عراقي
للرجوع الى اصل المقال على الرابط التالي: https://foreignpolicy.com/…/iraq-biden-missing-agenda/…