تنعقد جولة الحوار الاستراتيجي الرابعة بين الولايات المتحدة والعراق في العاصمة الأميركية، في 26 يوليو/ تموز، والتي تمثل استمرار العمل بمبادئ اتفاقية الاطار الاستراتيجي الموقعة بين البلدين عام 2008م، مع استمرار التنظيمات المسلحة للمقاومة الإسلامية التي تمثل امتدادا عقائديا وعسكريا للحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس في العراق وسوريا، ولفلسفة المواجهة بين ايران ولاية الفقيه والشيطان الأكبر منذ عام 1979م، عبر استهداف السفارة والمصالح الحيوية الأمريكية بالصواريخ والقصف المستمر لوجود قوات التحالف الدولي للحرب على الإرهاب والموجودة كقوات مساندة في القواعد العسكرية العراقية طبقاً للدعوة الرسمية من الحكومة العراقية في حزيران 2014م بعد هزيمة أربع فرق عسكرية وفرقة للشرطة الاتحادية أمام 400 من مقاتلي تنظيم دولة الخلافة (داعش) التي استولت على ثلث العراق بعد هروب القيادات العسكرية.
وطرحت مباحثات وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في واشنطن ملفات كثيرة، أهمها تحديد طبيعة الوجود الأميركي بالعراق والمصالح المتبادلة الاقتصادية والسياسية والثقافية والعلمية والصحية تمهيدا لزيارة السيد مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء وتحديد النقاط الأساسية التي ستطرح بالحوار والجوانب السياسية والتقنية لعلاقات التحالف الاستراتيجي بين البلدين، التي ستشهد التوقيع على مجموعة من الاتفاقات العراقية الأميركية بين البلدين خصوصا في مجال الاستثمار في انتاج الغاز الذي يهدر سنويا بحرق ما قيمته 2.5 مليار دولار والاستثمار في مجال الطاقة الكهربائية لإنتاج 30 ألف ميغاواط والطاقة البديلة وإعادة تشغيل 50 ألف مصنع معطلة منذ عام 2003م وتطوير الزراعة بعد ان تحول العراق من الاكتفاء الذاتي الى استيراد 92٪ من احتياجاته الغذائية، كما ترتفع البطالة الى 15 مليون انسان و10 ملايين عراقي تحت مستوى خط الفقر و4 ملايين انسان يعيشون في المدن العشوائية و6 ملايين طفل يتيم يعانون من الظروف القاسية بسبب الحروب وتنتشر الامية والجهل بين 8 ملايين مواطن، بجانب ارتفاع الديون الى 134 مليار دولار والعجز المالي 100 مليار دولار وفق بيانات البنك الدولي، بسبب السياسات الفاشلة للأحزاب الدينية المتخلفة التي لم تتبنى استراتيجية شاملة لبناء الاقتصاد والمجتمع العراقي. لذا يفترض اليوم اعتماد اقتصاد السوق المفتوح وفسح المجال للاستثمارات الوطنية والدولية للاستثمار في الثروات الطبيعية التي تقدر قيمتها بـ 20 ترليون دولار لكي يتمتع الشعب العراقي بالرفاه والازدهار بدلا من الفقر والبطالة والحروب.
ويبدو ان الهدف الاستراتيجي للحكومة العراقية يتمثل بتحرير العراق من الضغوط الإقليمية الإيرانية والأزمات الداخلية المتمثلة بالانقسام العميق بين التيارات التي تؤمن بالدولة الدستورية وتطبيق القانون والعدالة واحترام حقوق الانسان والديمقراطية وبين التيارات الراديكالية الاسلاموية التي لا تؤمن بالنظرية السياسية للدولة الوضعية وتعتبرها غير شرعية من الناحية الدينية، طبقاً لأفكار الإمام خميني، لذا تستهدف نشر الفوضى وانتشار العنف المسلح للتنظيمات الولائية لتقويض سلطة الدولة والقانون وتكريس ظاهرة اللادولة لتحويل العراق الى مسرح للعمليات العسكرية للمقاومة الإسلامية العالمية في اطار نظرية المواجهة المسلحة المستمرة ضد القواعد العسكرية والمصالح الامريكية في الشرق الأوسط والخليج العربي لإقامة دولة العدل الإلهي. مما يضع الحكومة العراقية امام ضرورة تبني مواقف استراتيجية تُحقق ضمان المصالح الوطنية العراقية في السيادة والاستقلال وبما يعزز وحدة الدولة والشعب ونبذ مختلف اشكال التمييز الديني والمذهبي والعرقي وتحقيق التوازن في العلاقات الخارجية مع دول الجوار وفي إطار العلاقات الدولية.
ومن المرجح أن تركز جولة المباحثات على ملفات الحرب على الإرهاب، ومسألة الطاقة والغاز والشركات الأميركية في العراق وتطوير الفرص الاستثمارية، إضافة إلى الجوانب الثقافية المتعلقة بالآثار والتعاون العلمي والتعليمي وإعادة إعمار البنية التحتية المدمرة في البلاد بكلفة 400 مليار دولار وفق تقديرات البنك الدولي. ومن المؤكد ان سحب القوات القتالية الذي سينجز في نهاية عام 2021م، لا يعني سحب القوات غير القتالية، مثل المستشارين والمدربين والدعم والمساعدة العسكرية وتطوير القدرات العسكرية للجيش العراقي بصنوفه المختلفة، مثل القوة الجوية والدفاع الجوي، كما ينطبق هذا الموقف على قوات حلف شمال الأطلسي والدول المشاركة ضمن قوات التحالف الدولي التي ستبقي على قوات استشارية غير قتالية مساندة في الجهد الاستخباري والتدريب لرفع جاهزية القدرات القتالية للقوات المسلحة العراقية، وتفعيل بنود اتفاق الاطار الاستراتيجي المعقود بين البلدين عام 2008م، لا سيما الجوانب الاقتصادية والتجارية، والشروع بمرحلة جديدة من التعاون البناء في جميع المجالات، مما يعني الاعتماد الأكبر على القوات المسلحة العراقية في الحرب على الإرهاب وضمان الأمن والاستقرار والسيادة الوطنية.
بناء على ما تقدم، فان الولايات المتحدة الامريكية التي استثمرت في الحرب 3.5 ترليون دولار لمواجهة الإرهاب في العراق، مطالبة اليوم بتقديم خبراتها وقدراتها الاقتصادية والتكنولوجية، للاستثمار في بناء السلام وتحقيق الاستقرار والأمن في العراق والشرق والاوسط، والإسهام في محاربة الفساد المستشري في البلاد والذي تجاوز ترليون دولار مما وضع الاقتصاد العراقي على حافة الانهيار، وملاحقة الفاسدين الذين يمتلكون خبرات دولية في سرقة موارد العراق وإعادة أموال الدولة التي هربت إلى الخارج وأودعت في بنوك خارج سيطرة العراق، مع التذكير بأن رئيس الجمهورية برهم صالح قدم مشروع قانون استرداد عائدات الفساد إلى البرلمان الذي يتضمن إخضاع جميع مسؤولي الدولة العراقية الذين تسلموا المناصب العليا للمساءلة، بناء على إرادة وطنية ورغبة دولية في كشف الطبقة الاوليغارشية لمافيات الفساد المالي والسياسي المتحالفة مع الكتائب المسلحة التي تنشر الرعب والخوف والدمار. لذا يبدو ان التوقيع على اتفاقية التحالف الاستراتيجي، ينسجم مع الرغبة المتبادلة بين البلدين للتطلع نحو انقاذ العراق عبر تعزيز علاقات التعاون الثنائي في القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية والصحية والثقافية كما في مجال الطاقة، وتجنيب البلاد سيناريو انسحاب الولايات المتحدة الامريكية، الذي سينشر الفوضى واللادولة، بخضوعه لسيطرة الميليشيات على غرار نموذج طالبان في أفغانستان والقاعدة في الصومال.
ان الشراكة الاستراتيجية بين واشنطن وبغداد ستنظم العلاقات الدبلوماسية والاستراتيجية، في اطار المصالح المتبادلة وعلى جميع المستويات واحترام السيادة والاستقلال والتزام الجميع بالدستور وقواعد الدولة والمؤسسات العسكرية والأمنية، وعدم تدخل دول الجوار الإقليمي في الشؤون الأمنية أو العسكرية أو السياسية واحترام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الدبلوماسي وحماية البعثات الدبلوماسية المعتمدة في بغداد واعدم الاعتداء على البعثات الدبلوماسية والمصالح الاقتصادية والشركات الأجنبية العاملة في اطار الاتفاقيات والعقود مع الحكومة العراقية والامتناع عن استخدام القوة او التهديد بها واللجوء للجهود الدبلوماسية لمعالجة الانتهاكات والتجاوزات على السيادة والحقوق العراقية طبقا للقانون الدولي.
د. غازي فيصل حسين
مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية
٢٦ تموز ٢٠٢١م
ملاحظة: الأرقام والاحصائيات الواردة مُستلة من بيانات البنك الدولي ووزارة التخطيط العراقية