تثار النقاشات المعتادة قبيل كل انتخابات عراقية تجرى منذ تأسيس نظام دستور 2005 وحتى يومنا الحالي .وتدور هذه النقاشات حول محاور محددة من قبيل النظام الانتخابي , الدوائر الانتحابية وتوزيعها , طريقة احتساب الاصوات , وقد تمتد النقاشات لتشمل قانون الاحزاب , والمحكمة الاتحادية ……الخ لكن النقاش هذه المرة قبيل الانتخابات المرتبقة في حزيران 2020 تكتسب بعدا خاصا لاسباب متعددة:
اولا -تعتبر الانتخابات القادمه هي اول انتحابات طارئة , اي انها جاءت في غير اوانها المعروف دستوريا ( و المحدد باربع سنوات لكل دورة انتخابية عملا بالنظام البرلماني المفترض الذي اقره دستور 2005) وسبب ذلك هو الانتفاضة الشعبية المجيدة التي شهدتها مدن العراق منذ اكتوبر 2019 و حتى الان و التي تسببت و لاول مرة باسقاط وزارة باكملها ( وزارة عادل عبد المهدي ) و الاتيان باول وزارة مؤقت لغرض اجراء انتخابات مبكرة ( وزارة الكاظمي الحالية ).
ثانيا – لم تات الانتفاضة نتيجة احداث معينة شهدها عام 2019 بل جاءت كانعكاس لعملية فشل مزمن للنظام الحاكم الحالي بدات منذ تاسيسه عام 2005 و استمرت حتى انفجارها في اكتوبر الماضي و كان فشل العمل الانتخابي من ابرز وجوه فشل هذا النظام برمته, الى الحد الذي وصل الى اضعف مشاركة شعبية في الانتخابات السابقة ( 2015\05\12) و التي قيل ان مستوى المشاركة فيها لم يصل الى 20% من اصوات الذين يحق لهم التصويت , الامر الذي عكس الانهيار شبه الشامل لشعبية النظام و اسلوبه الطائفي ( بلغت نسبة المشاركة في انتخابات ديسمبر 2005 و التي قامت على اساس طائفي – عرقي حوالي 70% ممن يحق لهم التصويت ) . و بالتالي فان الجدل هذه المرة حول النظام الانتخابي لم يعد محصورا فقط بالنخب الحاكمة او الاكاديمية و القانونية كما كان عليه الحال سابقا, بل اصبح متعلقا بصلب زوال او بقاء النظام الحالي برمته.
ويفرض واقع تشرين الحالي على كل الكتل السياسية مجابهة نفسها بالسؤال الاكثر اهمية على الاطلاق , و هو , هل ان النظام السياسي الحالي قابل و قادر على الاصلاح لنفسه , ام انه سيظل رافضا و بكل العناد الحالي لقيام اي اصلاح له و مصر على شكل معين من الاصلاحات الشكلية التي لا تمس جوهر النظام ولا تلبي او تخدع الجماهير الراغبة به؟! .
و يبدو واضحا من الجدل الدائر داخل اوساط الكتل السياسية و الجهات التنفيذية العليا في النظام او في صلب العملية الانتخابية ان هناك انقساما داخل هذه الكتل بين اتجاهين رئيسيين و اتجاه توفيقي ثالث و هم :
– اتجاه يدعو لرفض اعتبار المحافظة كوحدة او منطقة انتخابية , و يدعو الى تصغير هذه الوحدة او تقسيمها الى حد اعتبار القضاء كوحدة او منطقة انتخابية ( اذا كان نفوس القضاء يصل او يتجاوز ال 100 الف نسمه ) و يقود التيار الصدري هذا الاتجاه.
-اتجاه يدعو الى رفض المنطق السابق و الاستمرار باعتبار المحافظة هي الوحدة الانتخابية كما كان معمولا به في معظم العمليات الانتخابية السابقة و من الجدير بالذكر انه لم يظهر للان راى معلن و صريح من كتلة بهذا الاتجاه , بل مجرد اعتراضات من خلف الابواب من قبل جميع الكتل السياسية يساندها في ذلك جيش كبير من تكنوقراط النظام تحت دعاوى و حجج مختلفة معظمها صحيح للاسف من قبيل عدم قدرة النظام على تنفيذ المقترح السابق و عدم وجود بنى تحتية او وقت كافي او تعداد سكاني يركن اليه لتنفيذ هذا القانون.
-الاتجاه التوفيقي الثالث الذي دعت اليه كتلة الفتح بقيادة هادي العامري و الذي يدعو الى استمرار الاخذ بنظام المحافظة كوحدة انتخابية على ان يتم تقسيمها الى وحدات سكانية ( و ليس مناطقية او ادارية ) بحجم 100 الف شخص او ناخب لكل وحدة.
كذالك تبنى النظام العمل بانهاء خدمات معظم ادارات مفوضية الانتخابات السابقين و احلال كوادر قضائية محلهم لادارة المفوضية في الانتخابات القادمة.
و تدعو كل هذه التغيرات الى الشك بشكل جاد حول نوايا الكتل السياسية باحداث التغيرات المطلوبة لعدة اسباب :
اولا – ان الازمة الحالية التي يعيشها البلد جاءت نتيجة لفشل و فساد كل الكتل السياسية الموجودة و المتربعة في حكم النظام الحالي , و طريقة الاصلاح الحقيقية للنظام الحالي تبدا بمحاسبة كل الطبقة السياسية التي اثرت و حكمت بالفساد و الطائفية و الجريمة خلال سنوات النظام العقيمة او على الاقل تنحي هذه الطبقة الحالية عن الساحة اقرارا بفشلها و بؤس تجربتها اسوة بما يحصل في اي انتخابات لنظام ديموقراطي مفترض لكننا نرى منذ الان صراعا داخليا محتدما بين هذه القوة للاستحواذ على الدوائر الانتخابية من خلال الجدل السابق .
ثانيا- اثبتت تجربة الانتحابات السابقة وجود تلاعب و تواطؤ جرمي واضح في بيع و رشى و شراء الاصوات بل المراكز الانتخابية برمتها خارج و داخل الوطن , و ما لم تتم محاسبة و فضح و محاكمة كل المتواطئين في الانتخابات السابقة فلا يمكن المضي بهذه الانتخابات لان ذالك سيمنح نفس الاطراف الرئيسية ( حتى لو جئ بقضاة للاشراف على هذه الانتخابات ) فرصة اعادة تكرار جرائمهم الانتخابية , لاسيما و ان هذه الجرائم ( و غيرها الكثير ) تم تحت انظار الجهاز و السلطة القضائية الحالية دون ان تحرك ساكن!!
ثالثا-لا يمكن الاستناد الى اجراء انتخابات حرة و نزيهة تحت حراب السلاح الذي تتنكبه و تستحوذ عليه اطراف مشاركة في الانتخابات القادمة و الا سنكون ازاء املاء واضح لرغبات اصحاب السلاح و انتهاك لكل منطق سليم في الانتخابات المقبلة بل و للقوانين العراقية ذاتها !!!
رابعا- لايمكن اجراء انتخابات دون اشراف و ادارة ( و ليس مراقبة فقط ) دولية كاملة , لانعدام الثقة الشعبية في النخب الحاكمة و المسيطرة فعليا على العملية الانتخابية.
و اخيرا قد تبدو هذه الاشتراطات بعيدة عن التحقق على يد الكتل السياسية , و لهذا فمن المنطقي ان ترفض جملة و تفصيلا من قبل الكتل السياسية الحالمه بالسيطرة على البرلمان القادم كما سيطرت على البرلمانات السابقة , مما يقود للاستنتاج بعودة وشيكة لرياح تشرين ( و التي اوقفتها موقتا احداث كوفد 19 ) .
و السؤال هو ,هل ستكتفي الرياح القادمة بزعزعة وزارة و اسقاطها او حل البرلمان و اجراء انتخابات؟!! ام ستقوم هذه المرة باقتلاع النظام من جذوره؟!!…… و السؤال الاكثر اهمية هو هل تعي الكتل السياسية الحالية خطورة و اهمية هذه (الفرصة الاخيرة )… ام ستظل تناقش قضية الدائرة الانتخابية ؟!!!!
د. الناصر دريد