هددت ايران نهاية العام الماضي بإغلاق مضيق هرمز في حال تعرض صادرات النفط الايرانية إلى أية عقوبات دولية. ونقلت البي بي سي في 27 كانون الاول 2011 عن النائب الأول لرئيس الجمهورية الإسلامية محمد رضا رحيمي قوله: “إذا فرض [الغرب] عقوبات على صادرات النفط الايرانية فلن تمر قطرة نفط واحدة من مضيق هرمز”. كما حذرت في الوقت نفسه الدول المصدرة للنفط في الخليج العربي من أية محاولة لتعويض صادرات النفط الايرانية في حال فرض هكذا عقوبات، فقد نقلت البي بي سي يوم 15 كانون الثاني 2012 عن محمد علي خطيبي المندوب الايراني لدى منظمة اوبك قوله: “أي دولة منتجة للنفط في الخليج [الفارسي] تقرر تعويض النفط الايراني ستتحمل مسؤولية ما يحدث”.
وكانت ايران قد بدأت مناورات بحرية في مضيق هرمز اطلق عليها “الولاية 90″ في الرابع والعشرين من الشهر نفسه استمرت عشرة أيام، ونقلت وكالات الأنباء عن حبيب الله سياري قائد البحرية الايرانية قوله: ” [إن] تنفيذ قرار اغلاق مضيق هرمز هو بالتأكيد ضمن قدرات القوات المسلحة الايرانية، لكن قرارا من هذا القبيل يجب ان تتخذه السلطات العليا في البلاد”.
يأتي هذا التصعيد في ظل الأزمة المتفاقمة فيما يتعلق بالملف النووي الايراني، وفي ظل الحديث عن عقوبات تتعلق بقطاع النفط بعد سلسلة من الإجراءات العقابية المتعلقة بقطاع المال، بضمنها العقوبات التي طالت البنك المركزي الايراني. إذ يدرس الاتحاد الاوربي فرض حظر واردات النفط الايرانية بعد عقوبات مشابهة فرضتها الولايات المتحدة في وقت سابق.
إن هذه التهديدات، والجدية التي أظهرها العالم تجاهها، صاحبها في الوقت نفسه عن صمت غير مسوغ من السلطات الرسمية العراقي تجاه المخاطر التي يمثلها هذا التهديد للمصالح الحيوية للعراق، وتحديدا فيما يتعلق بصادراته النفطية عبر الخليج العربي، وفي البدائل الممكنة للتعويض، وفي تأثيرات ذلك على اقتصاد الدولة ككل. وتحاول هذه الورقة الاجابة عن الأسئلة الآتية:
أولا: احتمالات قيام ايران بهكذا اجراء.
ثانيا: قدرة ايران العسكرية على تنفيذه عسكريا.
ثالثا: تأثير ذلك في الاقتصاد العراقي والبدائل الممكنة.
ـ يشكل مضيق هرمز أحد أهم الممرات المائية فيما يتعلق بالنفط، وهو في نظر القانون الدولي جزء من أعالي البحار، ولكل السفن الحق والحرية في المرور فيه ما دام لا يضر بسلامة الدول الساحلية أو يمس نظامها أو أمنها. ويمر من خلال المضيق ما يقرب من 16.5 إلى 17 مليون برميل نفط يوميا، أي ما يشكل 20% من إمدادات النفط الخام في العالم، 93% من هذه الصادرات النفطية يتم نقلها عبر ناقلات النفط. وتبعا لتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية EIA فان 18% من واردات الولايات المتحدة، و20% من واردات أوربا الغربية، و80% من واردات اليابان تأتي من هذه المنطقة. ومن هنا فان التهديد الايراني يمثل خطرا حقيقيا على إمدادت النفط العالمية، والسؤال عن احتمالات قيام ايران بتنفيذ هذا التهديد يرتبط بشكل مباشر بشعور ايران أن فرض العقوبات على صادراتها النفطية يمثل تهديدا حقيقيا ليس للوضع الاقتصادي للبلد وحسب، وإنما يتعداه إلى تأثيرات سياسية واجتماعية، تصل إلى حد السؤال عن إمكانية استمرار النظام السياسي نفسه. ومن هنا فإن ايران ستتعامل مع هذه الاجراءات بوصفها إعلان حرب لا بد من مواجهتها بكل الوسائل المتاحة، ومنها تعطيل الملاحة في مضيق هرمز. صحيح أن هكذا محاولة ستتجاوز خطا أحمر في العلاقات الدولية، ولكن ايران ستعد
أي حظر على تصدير نفطها تجاوزا لخط أحمر مقابل أيضا. ومن ثم ضرورة التعامل مع هذا التهيديد بوصفه تهديدا جديا.
ـ على الرغم من الصعوبة النظرية والعملية في قدرة ايران على تعطيل الملاحة في مضيق هرمز، فضلا عن إغلاقه، لمدة طويلة، إلا أن هذا لا يلغي قدرتها في الوقت نفسه على تشكيل خطر حقيقي على إمدادات الطاقة عبر هذه المنطقة من العالم، خاصة في ظل التهديدات التي تجاوزت غلق المضيق إلى تهديد دول المنطقة المصدرة فيما لو حاولت تعويض صادرات النفط الايرانية في الأسواق العالمية. وتبعا لتقرير نشرته مجلة التايم الامريكية في عددها الصادر في 28 كانون الأول 2011 تحت عنوان “هل تستطيع ايران غلق مضيق هرمز؟”، كتبه مارك تومسون، فان ايران ربما تعد غلق المضيق “الورقة الرابحة الوحيدة في يدها” ما دامت لم تمتلك سلاحها النووري بعد. وعلى الرغم من تأكيد التقرير على أن التلويح بالتهديد وتنفيذه أمران مختلفان، إلا أنه يتحدث عن أن ايران تمتلك آلافا من الالغام البحرية، والطوربيدات، و مئات الصواريخ المتطورة، وأكثر من ألف من الزوارق الهجومية السريعة التي تمكنها من تنفيذ تهديداتها. كما ينقل عن دراسات عسكرية أمريكية بأن هناك اجماعا على قدرة الولايات المتحدة على الانتصار في هكذا مواجهة حول المضيق، ولكن السؤال هو حول المدى الزمني الذي قد يستغرقه ذلك، وإن التقديرات تبدأ من تقديرات متفائلة بأن المضيق سيكون مفتوحا خلال أيام قليلة، إلى تقديرات أكثر تشاؤما تتحدث عن أن الأمر سيستغرق بين خمسة أسابيع وثلاثة أشهر لاستعادة التدفق الكامل لحركة المرور البحري في المضيق، وبأن الأمر لن يكون سهلا. وينبه التقرير أيضا إلى تأثير ارتفاع أسعار التأمين، التي توصلها بعض التقديرات من بنس واحد إلى 6 دولارات للبرميل، أي ما يقرب من 600 ضعف. وهو الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط العالمية وما سيلحقه من تأثير في الاقتصاد العالمي في ظل الأزمة المتفاقمة أصلا.
وبعيدا عن الحسابات العسكرية، سيظل التأثير النفسي لامكانية ايران في تعطيل الملاحة في مضيق هرمز، وربما في مناطق أخرى من الخليج العربي وخليج عمان وبحر العرب وصولا إلى المحيط الهندي، إذا ما كنا أمام حرب مفتوحة بين الغرب وايران. فهناك خشية حقيقية من نجاح الألغام البحرية، أو حتى عمليات انتحارية يمكن ان يشنها مسلحون ضد ناقلات النفط في عرض البحر باستخدام الزوارق السريعة، أو أية وسائل بسيطة أو حتى بدائية أخرى، أن تلقي بتأثيرها الكبير في أسواق النفط العالمية، وما يمكن أن يصحب ذلك من ارتفاع في أسعاره، ومن ثم تأثير ذلك في الاقتصاد العالمي المأزوم أصلا.
ـ من المعروف أن الطاقة التصديرية للعراق لا تتجاوز اليوم 2.2 مليون برميل نفط يوميا من خلال ميناء جيهان و مينائي البصرة وخور العمية (تبعا للنشرة التي تصدرها وزارة النفط، كانت أعلى طاقة تصديرية لهذا العام 69 مليون برميل في شهر أيار 2011 (53.5 من مينائي البصرة وخور العمية، و15.5 من ميناء جيهان، أي بما يزيد قليلا عن 2.2 مليون برميل يوميا).
فقد كان مجموع ما تم تصديره من كانون الثاني إلى نهاية تشرين الثاني 2011 كان 570.7 مليون برميل من نفط البصرة (أعلى مستوى في كانون الثاني 54 مليون برميل وأدنى مستوى في شباط 47.8 مليون برميل).
وكان مجموع ما تم تصديره من كانون الثاني إلى نهاية تشرين الثاني 2011 كان 153.3 مليون برميل من نفط كركوك. (أعلى مستوى في حزيران 16.4، وأدنى مستوى في أيلول 10.1مليون برميل)
أي أن ما صدره العراق من مينائي البصرة وخور العمية كان 73.2 % من أجمالي الصادرات النفطية العراقية في العام 2011 ، في مقابل نسبة 26.8 % من خط كركوك ـ جيهان.
وكان معدل التصدير1.7 مليون برميل يوميا عبر البصرة، في مقابل 458.9 ألف برميل يوميا عبر كركوك ـ جيهان (بضمنها ما بين 70 إلى 100 ألف برميل من آبار إقليم كردستان).
لقد اعتمد العراق تاريخيا على دول الجوار في تصدير النفط بسبب من محدودية المنافذ البحرية، مساحة وعمقا. ففضلا عن الامكانيتين المتاحتين حاليا عبر البصرة وميناء جيهان التركي كان هناك خط الموصل ـ K3 ـ ميناء حيفا الذي افتتح سنة 1935 وتوقف العمل به عام 1948؛ ثم خط كركوك ـ ميناء بانياس/ ميناء طرابلس الذي افتتح عام 1952 وتوقف العمل به عام 1982، ثم أعيد العمل به نهاية التسعينات، ثم توقف العمل به عام 2003، أما الخط الثالث فكان الخط المار بالمملكة العربية السعودية الذي تم تنفيذه على مراحل بدأ من العام 1984، والذي تصل طاقته القصوى إلى 1.6 مليون برميل يوميا، ولكن السعودية قامت في العام 2001 بمصادرة هذا الخط.
ومن ثم فان البدائل المتاحة لتعويض خط البصرة في حال غلق مضيق هرمز تبدو محدودة للغاية، فخط كركوك ـ جيهان، تبلغ طاقته التصديرية القصوى 1.6 مليون برميل يوميا، سواء من خلال إعادة تصدير نفط البصرة عبر الخط الاستراتيجي عبر خط كركوك ـ جيهان، أو إذا ما أمكن تجاوز المشكلات الفنية الخاصة بانخفاض مستويات الإنتاج في الآبار النفطية في كركوك، والمشكلات الأمنية والفنية المتعلقة بالوصول إلى الطاقة التصديرية القصوى، مثل التفجيرات التي يتعرض لها خط الأنابيب دوريا، وكثرة انقطاع التيار الكهربائي عن محطات الضخ، والمشكلات المتعلقة بقدرة الأنابيب على تحمل ضغط هذا الحجم من الضغط في ظل قدم الأنابيب وحاجتها إلى الصيانة. وهذا يجعل إمكانية الوصول إلى المستويات القياسية أمرا صعبا إلى حد بعيد.
أما خط الأنابيب المار بسوريا فانه متوقف عن العمل منذ 2003 كما قدمنا، والطاقة القصوى لهذا الخط في حالة إعادة تأهيله يمكن أن تصل إلى 300 ألف برميل يوميا. ولكن الأوضاع الحالية التي تمر بها سوريا، في ظل عجز الدولة السورية عن حماية خطوط نقل الطاقة التي تعرضت لأكثر من تفجير متعمد في الشهرين الماضيين، وفي ظل احتمالات تصاعد العنف، وفي ظل موقف الحكومة العراقية من الاوضاع في سوريا التي يمكن أن تجعل من هذا الخط هدفا مباشرا للهجمات، كل هذا يجعل أمكانية الاعتماد هذا الخط بديلا محتملا أمرا صعبا للغاية.
أما خط الأنابيب المار بالعربية السعودية نحو ميناء ينبع، والذي تكررت الإشارة اليه في التصريحات السياسية العراقية خلال الأيام الماضية، فلا إمكانية حقيقية للتفكير فيه بوصفه بديلا محتملا. فقد أبلغت المملكة العربية السعودية الأمين العام للأمم المتحدة في حزيران 2001 بأنها قد “صادرت” أنبوب النفط العراقي المار عبر أراضيها وفق المادتين 16 و 17 من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 687 الصادر في 3 نيسان 1991 الذي نصت على مسؤولية العراق بمقتضى القانون الدولي عن أي خسارة مباشرة أو ضرر مباشر وقع على الحكومات الأجنبية أو رعاياها أو شركاتها نتيجة دخوله الكويت (المادة 16)، وعن أن ما أعلنه العراق بشأن إلغاء ديونه الأجنبية باطل ولاغ وأن عليه التقيد الصارم بجميع التزاماته بشأن خدمة وسداد ديونه الأجنبية (المادة 17). كما أن الخط داخل السعودية تم تحويله ليكون جزءا من خطوط نقل النفط والغاز السعوديين نحو ميناء ينبع/ وفي ضوء هذه الحقائق، وفي ضوء طبيعة العلاقات العراقية السعودية الحالية يبدو الحديث عن هذا الخط كبديل ذي طبيعة سياسية أكثر منه حديثا عمليا.
الإمكانية الأخيرة المتاحة تتمثل في الخطوط البرية عبر التصدير بالشاحنات عبر تركيا والأردن، وربما سوريا، التي يمكن أن تصل إلى 200 ألف برميل يوميا كحد أقصى، إذا ما أمكن إعادة تنظيم طريقة النقل عبر الأردن يطريقة أكثر انسيابية وتجاوز الطريقة الحالية التي تستوجب إعادة تحميل النفط من شاحنة إلى أخرى.
في ظل هذا الوضع تبدو المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها الاقتصاد العراقي جسيمة للغاية في حال أي تعطيل، كلي أو جزئي، للملاحة في مضيق هرمز، خاصة وأن الريع النفطي يشكل النسبة العظمى من واردات الميزانية العراقية (شكلت الايرادات النفطية 89.7 من ايرادات الموازنة الاتحادية في العام 2011). كما أن البدائل المتاحة تبدو محدودة للغاية، وهو أمر يفرض على الحكومة العراقية التفكير جديا البحث عن الإمكانات المتاحة لاحتواء تبعات هذا الأمر إن تم، وفي البدائل التي يمكن أن يلجأ اليها. خاصة إن قانون الميزانية لم يقر بعد، والذي استند إلى معدلات التصدير الحالية عند إعداده (احتسبت الايرادات الناجمة عن تصدير النفط على أساس 2.2 مليون برميل يوميا كما نص على ذلك قانون الموازنة العامة لعام 2011) .