المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية
  • تقدير موقف

  • تقارير

  • إصدارات المركز

  • فعاليات

  • أخبار المركز

  • المزيد

    • ملفات

    • مجلة شؤون عراقية

    • دراسات

المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية

مؤسسة متخصصة تعنى بأجراء الدراسات والبحوث الاستراتيجية المتعلقة بالشؤون العراقية

  • تقدير موقف

  • تقارير

  • إصدارات المركز

  • فعاليات

  • أخبار المركز

  • المزيد

    • ملفات

    • مجلة شؤون عراقية

    • دراسات

  • Twitter
  • Facebook
  • YouTube
  • RSS
20/05/2025 [email protected]
  • Twitter
  • Facebook
  • YouTube
  • RSS

ازمة الحكم في العراق بين المبادرات و التدخلات

03/09/2020 | فعاليات
ازمة الحكم في العراق بين المبادرات و التدخلات

في ظل الجدل الدائر في العراق حول المشاكسات و التناقضات بين الكتل السياسية الكبيرة في عراق ما بعد الانتخابات ، يسعى المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية الى محاولة بلورة رؤية حيادية حول مسببات هذا الصراع الذي اخذ من العراق كل مأخذ و انهك الوطن والمواطن .

ان دراسة الوضع العراقي بطريقة علمية حيادية اختفت بين ثنايا مشهد يتعقد غالباً وينفرج نادراَ ، وخاصة بين دكاكين الساسة الجدد ، إلا أن هذه الدراسات ممكنة بين الخبراء و المثقفين مهما تنوعت اطيافهم .

و وفق هذا التصور عقد المركز حلقة نقاشية مختصة حول ازمة الحكم في العراق بين المبادرات والتدخلات ؛ لاصدار تقدير موقف يتناسب وطبيعة الازمة ومن خلال طاولة مستديرة تحدث فيها كل من :

  • د.حيدر سعيد – محلل سياسي – قراءة في المبادرات المحلية .
  • د.يحيى الكبيسي – محلل سياسي – قراءة في المبادرات العربية .
  • د.صاحب الفتلاوي – خبير قانوني – قراءة في امكانيات تدويل القضية العراقية .
  • ا.هارون محمد – الخبير الاعلامي – قراءة في المبادرات والتدخلات الاقليمية .

 

 

 قراءة في المبادرات المحلية

  د.حيدر سعيد

 

وابتدأت الجلسة اعمالها بورقة للدكتور حيدر سعيد حول قراء في المبادارت المحلية والمواقف منها وطبيعة الصراع الداخلي بين الكتل السياسية :

شكر في بدايتها المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية على اتاحة هذه الفرصة ، واعتقد أن مثل هذا النوع من الحلقات يتيح فرصة اكبر لتفكير عميق و ايجابي ، اكثر من تلك الندوات الكبيرة التي تنقل تلفزيونيا والتي تضع المتحدث في حالة خطاب للجمهور ..

تابعنا خلال ثمان سنوات التي مضت ديناميكيا البناء التوافقي في العراق انطلاقا من فكرة اساسية – وهي محل البحث – وهي ان العراق انتقل بعد 2003 من نموذج الدولة الامة الى النموذج التعددي .

وكان هناك لمدة ثمانين عاماً تلكؤ واضح في عملية بناء هذه الامة لأنه حتى لو كانت هناك توجيهات خارجية لهذه الهويات فأن استجابتها لهذا النمط من التعبير السياسي ، في اعتقادي انه مؤشر على فشل عملية بناء الأمة .

ولذلك اقول اننا انتقلنا من فكرة ترتيب العراق باعتباره دولة لأمة واحدة هي الامة العراقية الى مصير دولة جامعة لمجموعة من الهويات الاثنية و الطائفية ، وهذا ما يسمى بالمجتمع التعددي .

لكن السؤال هو : هل سارت عملية البناء التعددي بشكل سلبي خلال الثماني سنوات ؟

كانت السجالات الدائرة بعد الانتخابات تعبر عن ازمة تشكيل حكومة  لا عن ازمة حكم ، لذلك كان الانشغال دائما حول هذه المسألة إذ هناك مجموعة من الوثائق طرحت قبل ورقة الاكراد ، والوثائق المتبادلة بين دولة القانون والعراقية ، وبعض مواقف القادة السياسيين التي تناولت ازمة الحكم .

ارى ان معظم القيادات السياسية تحدثت لأقل من ثلاث سنوات (ماضية) عن ازمة في النظام السياسي ، بما في ذلك ، رئيس الوزراء المالكي الذي كان ضمن لجنة كتابة الدستور و هو يتحدث الان عن خلل في النظام السياسي و طالب بتعديل الدستور ، باعتباره  كتب على عجل.

اود الاشارة الى انه قد تطرح بعض القضايا بأعتبارها جزءاً من ازمة النظام السياسي و هنا اركز على نقطتين :

  • ازمة الثقة بين الاطراف السياسية .
  • الموقف من الماضي ، ومن حزب البعث و ارائه .

وهناك مسائل اخرى كملفات المعتقلين ، الاجتثاث .. وغيرها ، لكن قضية طبيعة النظام السياسي هي في صلب هذه السجالات .

ان ماحدث في الاتفاقات الاخيرة بين الكتل هو ثمرة لما دار خلال الثمانية اشهر التي تلت الانتخابات ، و كان الاتفاق الاخير ضمن مبادرة برزاني نتيجة لفشل بعض الكيانات واصدار الاخرى .

و اعتقد ان اهم نقطتين دارت حولهما المباحثات :

  1. نزع تركز السلطة ، وهنا يدور الحديث عن تركيز السلطة خلال اربع سنوات التي مرت بيد شخص رئيس الوزراء ، و هذا التركيز يتعارض مع فكرة التعددية .
  2. بناء مؤسسات ضامنة للنظام التوافقي بعد انتهاء صلاحية مجلس الرئاسة ، وفقدانه لحق النقض .

ان طرح فكرة التوافق السياسي صمم امريكيا ، من خلال قانون ادارة الدولة في آذار 2004 وطرحت كل عناصر التوافق السايسي من خلال التمثيل البيني و الفيتو المتبادل ، إذ كان حق الفيتو لمجلس الرئاسة يرمي الى عدم طغيان الاغلبية .

و إذ انتهت صلاحية مجلس الرئاسة ، فماهي ضمانات النظام التوافقي ؟

ضغط الامريكان في 2005 – قبل التصديق على الدستور – من اجل اقرار مؤسستين :

  • المؤسسة الاولى : المجلس الاتحادي (( وهذا المجلس يضم تمثيلاً متساوياً لكل محافظة و يشرف على شؤون المحافظات و الاقاليم – وهو أشبه بمجلس الشيوخ الامريكي )) ، وطرح هذا الطرح من قبل الاكراد آنذاك – لأن الامريكان كانوا يخشون من حكم ممركز شيعياً لكن مجلس الاتحاد لم يشرع دستورياً ولم تحدد له فترة زمنية .
  • المؤسسة الثانية : المجلس السياسي للأمن الوطني وهو ايضاً لم يشرع دستورياً ، والذي قد تحول الآن الى المجلس الوطني للسياسات العليا ، وهذا ايضا بقي مجلساً دون صلاحيات و تحول الى نادٍ سياسي بدون صلاحيات مع انه كان يضم الرئاسات الأربعة و رؤساء الكتل .

وفي ظل غياب مؤسسة ضامنة للتوافقية ، اعتقد ان دور الاكراد و خاصة ضمن سعيهم لتقليل نفوذ المركز ومن خلال شرطهم في دخول الحكومة بأعتبار أن الحكومة المستقبلية اذا انسحب مكون من مكوناتها تستقيل الحكومة .

وهذه الفكرة ليست بالضرورة  لمصلحة الاكراد فقط وانما هي لكل الجماعات العراقية .

ان النقطة الاساسية التي يمكن للقوى السياسية ان تعمل عليها في اطار النقاش العام هي ؛ تشكيل مجلس الاتحاد ؛ و اعتقد ان اول من يبادر الى تفعيل هذا المجلس هو القائمة العراقية.

و اعتقد ان النخب السنية هي من سيسعى الى تفعيل مجلس الاتحاد ،إلا أن  الجو انشغل بتشكيل الحكومة دون هذا المجلس .

النقطة الثانية هي تحويل النظام السياسي الى النظام شبه الرئاسي على الطريقة الفرنسية ، و تكون الصلاحيات متكافئة بين الرئيس و رئيس الوزراء ، و اعتقد ان هذا النوع من النظام هو الأقدر على تمثيل التوافق في العراق .

لكن هناك مشكلة فحواها أن طبيعة الصراع تجري بين تيار يسعى الى تركز السلطة وتيار يسعى الى فك هذه التركز ، واعتقد ان هناك رحلة متعاكسة بين النخب السنية و الشيعية في هذا المجال ، حيث كان السنة بناة الدولة المركزية ، و تولوا الآن الى النموذج التعددي ، بينما جاء الشيعة من المطالبة بالتعددية الى الرغبة بنظام مركزي .

بدأت رحلة الشيعة في مركز الحكم من عام 2005 ثم تمت مطالب المالكي بنظام رئاسي و تفويض اكثر لرئيس الوزراء .

اختم هنا بنقطة مهمة ، هي ان المهمة المطروحة الآن هي كيفية الجمع بين نظام شراكة في السلطة و بين دولة قوية ، ولكن الكتل السياسية لم تنتج الى اليوم بتحقيق هذا التوازن بين الأمرين و لأنه تقودنا دائماً فكرة هي ان توزيع الصلاحيات يعني دولة ضعيفة .

 

قراءة في المبادرات العربية

د.يحيى الكبيسي

 

نحن نعرف ان الجامعة العربية اتخذت قرارا في البداية بتعليق عضوية العراق فيها ، لكنها لاحقاً سعت الى تكريس شرعية نظام الحكم في العراق من خلال مؤتمر شرم الشيخ الاول و الذي اعترف بمجلس الحكم و استقبل هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي .

حقيقة لم تكن هناك رؤية واضحة تجاه العراق او الى الدور الايراني في العراق ، و لم يكن هناك موقف واضح للقوى العراقية للتعامل مع الدول العربية ، و بصراحة لم يكن للدول العربية الا اتخاذ هذا الموقف لأن النظام العربي كان جزءاً من عملية الاحتلال من خلال المشاركة العسكرية او التسهيلات و المواقف وغيرها من عام 1990 الى الآن .

نحن امام موقف عربي غير واضح وغير قادر على صياغة علاقاته مع العراق بشكل واقعي وعراقياً فإن المشكلة اكثر تعقيداً لأننا هنا نتحدث عن ثلاثة ابعاد مختلفة وهي : البعد القومي كما ورثناه من عام 1921 و كان هذا  يسبب ازمة للأطراف القوية في العراق – الشيعة و الاكراد – ، البعد الثاني هو البعد الايراني فبعد 2003 زاد النفوذ الايراني اضعاف النفوذ العراقي ، والبعد الثالث هو البعد الامريكي الذي لم يكن يمتلك تصوراً كافياً لصياغة العلاقات العربية العراقية .

وعندما جاء بريمر لم يتعامل مع النظام العربي الا من خلال مجلس الحكم آنذاك و لم تستطع قوات الاحتلال ان تعي الدور العراقي في محيطه العربي و انما ركزت على محيطه الاقليمي اكثر ، وهذه العوامل مازالت فاعلة الى اليوم .

بالنسبة للبعد الاول فالقوى الشيعية تعي بأن ذوبان العراق في محيطه العربي يفقدهم الميزة التي حصلوا عليها بعد الاحتلال ، وبالتالي سيعيد هذا الذوبان قضية التوازن في العراق وهذا غير مرغوب شيعياً ، ولهذا لم يكن الخطاب العراقي واضحاً تجاه العرب إذ يقترب تارة و يبتعد تارة اخرى ، يقترب عند حدود المصلحة فقط كما حصل في اعتراف الجامعة بمجلس الحكم في شرم الشيخ و قد هاجم الجعفري آنذاك الجامعة العربية في عام 2006 .

ولهذا لا يمكن ان نتحدث عن وجود موقف عراقي تجاه العرب و انما نتحدث عن موقف الجماعات العراقية من العرب ، فأياد علاوي مثلاً استطاع بناء علاقة طيبة لأنه من خلفية قومية مثلاً .

اما البعد الثاني وهو البعد الايراني : فالعراق اصبح مشدوداً بين طرفين ايران و الدول العربية علما بأن الدول العربية متنوعة المواقف و لكن عمليا اصبح العراق بين طرفين .

وهنا ايضاً لم يستطع العراقيون الاتفاق على موقف موحد تجاه ايران حتى بين النخب السياسية ، فالشيعة تتعامل مع ايران على اساس انها ورقة من الممكن ان تتيح لهم نفوذاً  اعلى مستقبلاً داخلياً و اقليمياً .

وفي هذا السياق سنكتشف ان المبادرات العربية لم تستطع أن تقرأ  الواقع العراقي بشكل جيد، وهي  لاتزال تتعامل مع العراق من خلال البعد التبسيطي للمشكلة ولم تستطع ان تنفذ الى حقيقة الصراع في العراق ، واعتقد ان كل المبادرات سقطت في هذا الفخ .

وهذا واضح – مثلاً – من خلال ما توصل اليه مؤتمر المصالحة في القاهرة بين القوى العراقية في 21/11/2005 من الدعوة الى انهاء الاحتلال الى الدعوة الى منع تسلل المسلحين الى العراق و غيرها .

وكانت النتيجة المباشرة لهذا المؤتمر هي الحرب الاهلية عام 2006 بمعنى أن نتائج المؤتمر لم تستطع حقيقة ان تتعامل مع طبيعة الصراع في العراق و بقية المطالب العائمة وغير المحددة بوقت و كان رد الجعفري بوقتها اننا نرفض ان نذهب الى مؤتمر مصالحة لأن العراقيين منسجمون وهم لا يحتاجون الى التصالح ثم اضطرت الجامعة لتغييره بمؤتمر الوفاق العراقي .

و ضمن هذه الرؤية انتهى الدور العربي اخيراً الى المبادرة السعودية التي جاءت بتوقيت غريب جداً ، لأنه كان من الواضح لبعض الاطراف العراقية على الاقل ، ان هذه المبادرة هي محاولة لأنقاذ كتلة العراقية بعد تحالف الصدريين مع المالكي الذي كان على تقاطع شديد مع السعودية .

الأمر الآخر فإنني اعتقد ان الرؤية السعودية مع الجامعة العربية لم تكن تنظر الى تشكيل الحكومة وانما كانت تذهب ابعد من ذلك الى تشكيل ” طائف عراقي ” على غرار طائف 1991 واعادة النظام السياسي في العراق من خلال توافقات الاطراف المعنية في العربية السعودية ، وهذه ايضاً قراءة خاطئة لأن موازين القوى في العراق لم تصل الى حد الأزمة التي تفرض على جميع الاطراف الدخول في اتفاقات مثل الطائف ، فالتوقيت الخاطىء و القراءة الخاطئة لواقع الحال في العراق اديا الى الموقف اللاحق منها.

و أما المشكلة الاخرى في الدعوة السعودية فإنها جاءت في لحظة خصومة شديدة مع المالكي عندما رفضت السعودية توجيه دعوة الى المالكي وبالتالي كأن المبادرة وجهت  شخصياً ضد المالكي ، ولم يستطع المالكي ان يتعامل مع القضية بدبلوماسية بسبب النشوة التي انتهى اليها المالكي و لاتزال في تصاعد من 2009 الى الآن .

اذن فالمبادرات العربية لم تستطع الى الآن ان تبني رؤية لطبيعة العلاقة مع العراق وتقاطعات القوى السياسية في العراق .

و اخشى ان هذا التقاطع سيزيد من الازمة بعد ماحدث في الخميس الماضي داخل مجلس النواب لأنه ببساطة لاتستطيع  السعودية ان تتجاوز الاهانة التي وجهت للمبادرة و بهذه الطريقة .

وبالتالي ما موقف السعودية في المرحلة القادمة وطريقة تعاملها مع العراق ؟

انا اعتقد ان المبادرة السعودية ستنتهي الى زيادة الأزمة في الوضع العراقي الراهن من خلال بعد عربي يحاول تكريس فكرة عدم التوازن داخل العراق .

 

 

تدويل القضية العراقية من وجهة نظر قانونية

د.صاحب الفتلاوي

 

 

المقدمة

يكثر الحديث هذه الأيام عن ضرورة تدويل القضية العراقية بحجة عجز القوى السياسية عن تشكيل الحكومة بعد مضي ثمانية أشهر على انتهاء الانتخابات التشريعية الأخيرة في العراق بتاريخ 7/3/2010.

 

والملفت للنظر أن أكثر الداعين إلى هذا الأمر هم من داخل العراق، بل من قادة الكتل السياسية أحياناً أو من المنظرين الجدد لسياسة العراق، بالإضافة إلى وجود دعوات من هذا القبيل على الصعيدين الدولي والإقليمي سواء على الصعيد الرسمي أو الصعيد الشعبي.

 

وما يزيد من خطورة هذه الطروحات هو جهل الداعين إليها بمعنى التدويل وأسبابه ونطاقه وآثاره من وجهة نظر القانون الدولي، مما دعاهم إلى طرحه كسلعة سياسية لا يدركون مغزاها، فأخذوا يتوسعون في المطالبة بها، حتى وصل الحال إلى مطالبتهم بتدخل الأمم المتحدة لتشكيل الحكومة الجديدة، أو تدخلها لتعديل الدستور العراقي الحالي، ناهيك عن مطالبة البعض بتدويل بعض القضايا الداخلية الصرفة، كتدويل قضية كركوك أو تدويل المناطق المتنازع عليها مع أقليم كردستان.

 

في هذا البحث المتواضع سأتناول هذا الموضوع على شكل نقاط بسيطة تضيء لنا أهم أوجه هذه القضية:ـ

 

أولاً: معنى التدويل وتأريخه

يقصد بالتدويل الاحتكام إلى المجموعة الدولية التي يقودها الكبار في العالم. وهذه المجموعة تمثلها الأمم المتحدة وذراعها القوي مجلس الأمن كما تمثلها المؤسسات التابعة للأمم المتحدة كمحكمة العدل الدولية في ظل هيئة الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدائمة في ظل عصبة الأمم.

ويتم اللجوء هذا عندما تعجز الدول عن حل مشاكلها أو أنها تصل إلى طريق مسدود في حل معضلاتها.

وقد شاع مصطلح التدويل في القانون الدولي منذ القرن التاسع عشر وتحديداً بعد مؤتمر فينا عام 1815م، حيث استخدمته الدول الكبرى وسيلة للحيلولة دون تفجر النزاعات والصراعات حول الأقاليم التي كانت تشكل أهمية إستراتيجية أو حيوية لها.

 

ثانياً: أسباب التدويل

للتدويل أسباب كثيرة، منها الأسباب الجغرافية والسياسية، وخير مثل لهذا النوع من التدويل، تدويل القضية الفلسطينية بشكل عام وتدويل قضية القدس بشكل خاص، إذ بلغ عدد قرارات الأمم المتحدة بشأنها حتى عام 2001، 170 قراراً. وهناك تدويل قضية دارفور في السودان أثر النزاع الجغرافي والسياسي والاقتصادي بين الشمال والجنوب، وانتشار قوات حفظ السلام بين الجانبين، في سابقة تتواجد فيها القوات الدولية للفصل بين مكونات شعب واحد هو الشعب السوداني.

وهناك من يدعو إلى إعادة هذه السابقة في العراق، حيث أخبر الجنرال اوديرنو قائد القوات الأمريكية في العراق باحتمال الاستعانة، بقوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في المناطق المتنازع عليها شمال العراق. و أضاف بأن ذلك هو أحد الخيارات المطروحة إذا أخفقت المساعي لدمج قوات البيشمركة مع الجيش العراقي. ولنتصور مرة أخرى بأن قوات دولية تفصل بين مكونات شعب واحد، مع ما للدول التي تقف ورائها من مطامع وأهداف معلومة أو غير معلومة، في قضايا داخلية يجب أن يكون حلها وطنياً صرفاً.

أن مثل هذه الأفكار يمثل سوابق خطيرة في التعامل الدولي ويبرز نوايا غير حسنة يراد منها تكريس الانقسام العراقي والتأسيس لحالة عدم الاستقرار الدائم في العراق والمزيد من التدخل في شؤونه، في الوقت الذي يسعى فيه هذا البلد للخروج من طائلة أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما تشير كل المعطيات إلى انتفاء الحاجة إلى وجوده وزوال كل أسبابه.

ومن أسباب التدويل الجغرافية، ما ثار بين البحرين وقطر من نزاع حدودي رفع بعد عجز الدولتين عن الحل وعجز جامعة الدول العربية عن ذلك إلى محكمة العدل الدولية التي أصدرت قرارها بهذا الشأن.

وقد تقف وراء التدويل أسباب دينية، وهو ما تدعو إليه الآن بعض الأطراف لتدويل قضية الأقباط في مصر أو تدويل قضية المسيحيين في العراق أو تدويل قضية سكان التبت في الصين .

كما قد تكون وراء التدويل أسباب عرقية، حيث يدعو البعض الآن لتدويل قضية كركوك ذات الأطياف العرقية المختلفة. وقد تكون أسباب التدويل جنائية كما حصل في قضية اغتيال رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الأسبق وعجز القضاء اللبناني عن الكشف عن الجناة.

وقد تجاوزت موضة التدويل ذلك إلى حد المطالبة بتدويل قضايا المياه ومنها تدويل قضية نهري دجلة والفرات، وتدويل البقاع المقدسة في المملكة العربية السعودية، وتدويل قواعد القانون التجاري، وتدويل السلع والأفكار ورؤوس الأموال على مستوى العالم الأوروبي، وتدويل البيوت العلمية والكتب الإلكترونية.

 

ثالثاً: بواعث التدويل

يتوافر لدى العراقيين العديد من البواعث للمطالبة بالتدويل بمام فيها الناس العاديون أو قادة الكتل السياسية، وهذه البواعث يمكن إجمالها بالشكل التالي:

  1. يدعو البعض إلى التدويل من باب طرح الموضوع العراقي على الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، لوضع حد للتدخلات الخارجية وهدر الدم العراقي يومياً بسبب أجندات أجنبية تجد مساحة عملها وعبثها في الميدان العراقي. وقد دعت جامعة الدول العربية على لسان أمينها العام السيد عمرو موسى إلى إجراء حوار بين العراق وسوريا بعد أحداث ما سمي بيوم الأربعاء الدامي وتأزم العلاقات العراقية السورية.

ويرى هذا التوجه أن التدويل وإدراج القضية العراقية في أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن سيؤديان إلى تفعيل الإجراءات القانونية الملائمة للدول ذات الشأن لتأخذ القضية العراقية بعدها الأممي والإنساني وصداها الدولي ليطلع الرأي العام العالمي على طبيعة المجازر التي يتعرض لها الشعب العراقي طيلة السنين الماضية والأسباب التي تقف وراء ذلك.

  1. وهناك من يرى أن التدويل حاصل أصلاً بسبب غزو العراق للكويت عام 1990 وصدور القرارات المعروفة من قبل الأمم المتحدة كالقرار رقم 660 والقرار رقم 661 وقرار الحصار القاسي رقم 687. ومعلوم أن مجلس الأمن أصدر بحق العراق منذ عام 1990 وحتى عام 2010 حوالي (60) قراراً آخرها القرار المرقم 1936 لسنة 2010 والذي أبقى فيه أموال العراق لدى صندوق التنمية الدولي بحجة المحافظة على أموال العراق من الحجز عليها من قبل الدول الأخرى.

ووفقاً لهذا الرأي فإن خضوع العراق لمواد الفصل السابع يعد مستمراً وان سيادة العراق لا تزال منقوصة.

  1. و هناك من بنى وبرر تدخل الأمم المتحدة لمصالح سياسية معينة، ومن ذلك تصريح زعيم القائمة العراقية د. إياد علاوي الذي ينص بالحرف الواحد على “أن فشل الكتل العراقية الفائزة بالانتخابات في تشكيل الحكومة المرتقبة سيقود إلى تدخل هيئة الأمم المتحدة لتقوم بهذه المهمة الملحة”، وأن مثل هذا التأخر يزيد من تدني مستوى الخدمات خصوصاً الصحية والعمرانية، فضلاً عن أزمة الكهرباء التي أصبحت شبه مزمنة، ويضاف إلى ذلك تدهور الأوضاع الأمنية الذي ازداد بعد انسحاب القوات الأمريكية، كما أن التقارير الميدانية والدلائل تتوقعان أن يصعد تنظيم القاعدة نشاطه الإرهابي مستقبلاً.

ويرى مراقبون بان تصريح السيد علاوي بخصوص احتمال تدويل القضية العراقية مرتبط بشكل أو بآخر باستمرار الصراع بين دول الجوار على أرض العراق، وعدم قدرة الكتل السياسية على اتخاذ موقف موحد إزاء هذا الصراع.

  1. وفي هذا الخضم دعا البعض إلى التدويل في أمور صغيرة كتلك التي تتعلق بحذف أسماء عدد من السادة السياسيين من قوائم الانتخابات أثر قرارات صدرت من هيئة المساءلة والعدالة، واستغاث هؤلاء بالأمم المتحدة ودعوها إلى التدخل لإزالة الظلم عنهم.
  2. وطائفة أخرى تحث على تدويل القضايا العراقية جهلاً منها بمعنى التدويل أو اعتقاداً منها بأن الأمم المتحدة ستكون قارب النجاة بالنسبة لمشاكل العراق وهمومه، ولذلك فأن مصطلح التدويل أصبح من المصطلحات المتداولة يومياً من قبل وسائل الإعلام وكأنه موضة عصر لا بد منها.

 

 

رابعاً: الجبهة المعارضة للتدويل

وإذا كان من يدعو إلى التدويل ليس بالعدد القليل، فإن من يجابه هذه الدعوى هو الآخر ليس بالقليل على الساحة الوطنية، والإقليمية والدولية، سواء أكان ذلك عن علم أو غير علم.

فالكثير من القادة السياسيين يرون بأن تدويل القضايا العراقية يعني الرجوع بالعراق إلى المربع الأول، بل أن الدعوة إلى التدويل تعد منعطفاً خطراً ومأزقاً لا بد من تلافيه، وأن تدويل القضية العراقية يعني تردي الأوضاع وإطالة أمد الاحتلال، مما يؤدي إلى تداعيات تفتح الباب على مصراعيه لتدخلات إقليمية أكبر وسياسة دولية تجعل الواقع العراقي أكثر تمزقا “واحتراباً” وتتيح فرصة كبيرة للإرهابيين للتحرك وسط الانشغال العراقي والدولي بقضايا السياسية مما يضاعف تردي الأوضاع الأمنية وتعطيل جميع مجالات الحياة.

ويضيف هذا الرأي بأن التدويل سيعيد العراق القهقرى، عندما يصدر مجلس الأمن قراراً يعلن عجز العراقيين عن تشكيل حكومة.

ويقف في جبهة الرفض هذه الجانب الرسمي، حيث انتقد وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري خلال حضوره اجتماع وزراء الخارجية العرب بتاريخ 5/3/2007 تصريحات الأمين العام لجامعة الدول العربية، الذي اقترح أن تطرح الحكومات العربية توصياتها بشأن وقف نزيف الدم في العراق على مجلس الأمن. ورفض زيباري أي اقتراح يدعو إلى تدويل القضية العراقية، لأننا أمام حكومة منتخبة قادرة على معالجة الوضع الداخلي، كما تم رفض أية محاولة خارجية تدعو إلى تعديل الدستور العراقي، باعتبار ذلك أمراً داخلياً.

كما رفض السيد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي في العديد من المناسبات أي ذكر لعملية التدويل وانتقد دائماً من يقف وراء هذه الدعوات، وأكد على ضرورة توثيق استقلال وسيادة العراق وخروجه نهائياً من أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

وفي نفس الإطار ذهب الأكراد في العراق (محسن السعدون) إلى أن تدويل القضية العراقية لا يصب في مصلحة العراق أو مصلحة العملية السياسية وأن الحل يجب أن يكون عراقياً.

وانتقد السعدون من توسع في فهمه لمصطلح التدويل مما دفعه إلى طلب تدخل الأمم المتحدة في تفسير وتطبيق المادة (76) من الدستور العراقي، وهو ما يعني عدم فهم هؤلاء لمهام ووظائف المنظمة الدولية، حيث لا شأن لهذه المنظمة وفق أحكام القانون الدولي في تشكيل حكومة هذا البلد أو ذاك.

 

خامساً: آثار تجارب التدويل

إن تجارب التدويل في عهد المؤتمرات الدولية منذ مؤتمر فينا عام 1815 وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، أو في عهد المنظمات الدولية (فترتي عصبة الأمم والأمم المتحدة)، لم يكتب لها الاستمرار أو باءت بالفشل أو أنها لم تطبق أطلاقاً مثل نظام تدويل القدس، مما دفع الدول إلى التقليل من الاعتماد على التدويل كنظام يقود إلى حفظ السلم والأمن الدوليين.

ومن النتائج السلبية لاختيار التدويل تعويم وتسويف القضية الفلسطينية وبقائها معلقة منذ أكثر من (50) عاماً.

ومن آثاره السلبية ما سببته المحكمة الدولية في لبنان من فتح هذا البلد أمام مخاطر حرب أهلية، ناهيك عن فتحه أمام الشبكات الإسرائيلية وزيادة الصراعات الداخلية بين القوى الوطنية اللبنانية والاتهامات المتبادلة بينها بهذا الشأن، مما يؤثر على الوحدة الوطنية اللبنانية.

 

سادساً: رأي الباحث

لا نقف مطلقاً مع تدويل أي شأن عراقي، لأن التدويل يعني عدم قدرة الشعب العراقي وقواه الوطنية على حل مشاكلهم، ويخطىء كثير من يعتقد أن القوى الكبرى تمتلك الرحمة والتعاون والتآزر مع هذا الشعب أو ذاك وأن هذه الدول، وخصوصاً المسيطرة على قرارات مجلس الأمن لايهمها غير مصالحها ووسائل تدخلها للسيطرة على عقول وثروات الشعوب. ولا ننسى أن من يدير دفة قرارات مجلس الأمن اليوم، هي الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة ‘لقاء القنبلة الذرية على هيروشيما وناكازاكي والتي لم تقدم اعتذاراً واحداً للشعب الياباني عن هذه الأعمال حتى يومنا هذا. والدولة الثانية إنكلترا صاحبة المجازر المعروفة في الهند والعراق وفلسطين وتأسيس الكيان الصهيوني والدولة الثالثة فرنسا صاحبة المجازر المشهورة في الهند الصينية والجزائر أما روسيا والصين فهما دولتان انتهازيتان بدرجة امتياز ولا يهمهما غير المصالح المتبادلة مع القوى النافذة في العالم وفي طليعتها الولايات المتحدة.

أن الحل الأمثل لقضيتنا هو الاعتماد على النفس وشحذ الهمم الوطنية والغيرة الإنسانية لانتشال شعبنا من وحل الواقع الذي هو فيه، فالحلول يجب أن تكون عراقية وبعقل عراقي صميم.

 

ويجب أن نسعى لا إلى تكبيل العراق بالقيود الدولية والانتقاص من سيادته، وهو ما سيؤدي إليه التدويل، بل بالعكس نسعى الى المناداة بإخراج العراق من أحكام الفصل السابع واستعادة العراق لاستقلاله الناجز واحتلال موقعه المعروف في المنظومة الدولية، والشعب العراقي صاحب أعرق حضارة في العالم قادر على ذلك.

 

 

أزمة الحكم في العراق .. المبادرات والتدخلات الاقليمية

 ا.هارون محمد                      

 

 

من الصعب توصيف الحالة العراقية منذ الاحتلال في نيسان ( ابريل ) 2003 الى يومنا الراهن ، وفق المعطيات و التداعيات السياسية و الاجتماعية التي تحققت ميدانيا وعلى الارض ، لأنها ببساطة حالة ملتبسة تتداخل فيها أجندة كثيرة و أدوار عديدة ، محلية و اقليمية و دولية ، حتى بات من المستحيل ادراج الاوضاع العراقية التي نشأت منذ ذلك التاريخ وفق السياقات والمفاهيم والاعراف السياسية السائدة او المألوفة ، ولعل أقرب وصف يمكن ان ينطبق على المشهد السياسي العراقي على مدى اكثر من سبع سنوات بأنه حالة ( استعصاء الحكم) وليس أزمة الحكم ، على اساس ان لكل ازمة او ازمات حلا او حلولا يمكن البحث فيها او ايجادها على عكس حالة الاستعصاء التي هي نتيجة ارتباط مجموعة من الازمات مع سلسلة عقد و معضلات على اكثر من صعيد و مجال بحيث يصبح من العسير على صاحب القرار السياسي التعامل مع هكذا حالة وايجاد الحل المناسب او المطلوب والامر نفسه ينعكس على المراقب او المحلل السياسي الذي تفرض عليه الحالة هذه اشكالا من الاضطراب في الرؤية الصحيحة والتحليل الموضوعي والاستنتاج المتنظم .

ومما زاد في وصول الحالة العراقية الى حالة الاستعصاء ، غياب الدولة التي تكون ازمتها عادة في مركزها الواحد حيث تتوجه الانظار اليه – اي الى المركز – وتنصرف الجهود والمساعي لحل تلك الازمة او الازمات حسب ظروفها و طبيعتها ، اما اليوم فقد حلت سلطتان بدلا من الدولة ، مترابطتان شكليا و متباعدتان واقعيا ، احداهما في بغداد العاصمة وتتبع الحكومة الاتحادية كما يفترض ، والثانية في اربيل شمال العراق و تتمثل في السلطة الكردية التي تدير شؤون اقليم كردستان ، الامر الذي انتج ليس سلطة داخل سلطة وانما سلطتين لكل منهما خياراتها و ارادتها و سياساتها و قراراتها ، وفي كثير من الاحيان تتقاطع خيارات هذا السلطة مع تلك او تتناقض و تتعارض والمحصلة في النهاية تداخل في المواقف او اشتباك في السياسات ، وعلى ضوء ذلك قد تبرز مشاكل و تظهر متاعب لكلا السلطتين ، ولكن ليس شرطا ان تكون متشابهة او مشتركة فما تواجهه سلطة بغداد من مشكلات و تحديات ربما تختلف في شكلها و حجمها عما تواجهه سلطة اربيل والعكس صحيح ايضا ، واستنادا الى ذلك فان العراق اليوم لايشهد أزمة حكم في ظل ظروف شائكة و ملتبسة وانما يمر في وضع اشد تعقيدا هو الاستعصاء السياسي الذي لاتنفع معه المعالجات ولا الحلول الاعتيادية.

واذا اردنا ان نقدم ادلة و حيثيات على صحة مانقول ، فأننا نأخذ مثالا واحدا يتمثل في الموقف من قوات الاحتلال الامريكي ، فالسلطة في بغداد تعلن على الاقل صدقاً ام ادعاء ، ان هذه القواات ستغادر العراق في نهاية العام المقبل 2011 حسب ماتنص عليه الاتفاقية العراقية الامريكية الموقعة بين ادراة الرئيس الامريكي السابق جورج دبليو بوش و حكومة نوري المالكي ، في حين تجاهر السلطة في اربيل بأنها على استعداد لأستقبال تلك القوات في المناطق الخاضعة لها و تقيم قواعد و معسكرات لها هناك ، وهنا كيف ننظر الى القضية ومن اي زاوية ؟ هل هي ازمة ثقة بين السلطتين يمكن حلها عبر حوارات و مباحثات بين الطرفين للتوصل الى تفاهمات ثنائية بينهما حول هذه القضية ؟ أم انها حالة استعصاء سياسي يصعب حلها لأن خيارات الجانبين مختلفة و متعارضة لا تجمعها مشتركات ولو بحدها الادنى ؟ لذلك أجد من وجهة نظري المتواضعة اننا نبسط ما حدث و يحدث في العراق بأنه أزمة حكم ، لأن الازمة مهما كبرت و اتسعت فأنها لن تستمر طويلاً ، و لابد من ايجاد حل لها عاجلا ام آجلا ، في حين اذا افترضنا ان في العراق ازمة حكم كما هو محور الحلقة التي نشارك في فعاليتها ، فهل من المعقول ان تستمر هذه الازمة قرابة ثمانية اعوام دون ان تلوح في الافق بوادر حل لها او تباشر نهايتها ؟

وبالنسبة للمبادرات الاقليمية لحلحلة الاوضاع في العراق و ايجاد حلول مقبولة لها ، فأن الوقائع تفيد بأن لامبادرات محلية او اقليمية او دولية  قد طرحت خلال السنوات الماضية ،و انما لاحظنا ان ثمة نصائح وتحذيرات تنطلق من هذا الطرف او تلك الدولة ، لاتندرج ضمن اطار مبادرة تحمل افكارا حقيقية و رؤى منطقية بل انها في كثير من الاحيان تكون ذات صيغ عمومية و تستخدم لغة دبلوماسية لتجنب التفسيرات المغرضة ، و ربما يمكن وصف سعي الجامعة العربية في عقد مؤتمر المصالحة العراقية في نهاية عام 2005 بالقاهره ، بأنه مبادرة سياسية لجمع الفرقاء السياسيين المختلفين و تبديد المخاوف و الهواجس وعدم الثقة في ما بينهم ، ولكنها ظلت مبادرة ناقصة و افتقرت الى الجدية والمصداقية بين الاطراف التي شاركت في اجتماعاتها و جلساتها التي كانت اشبه بحوار الطرشان و لم تسفر عن تفاهم على ابسط القضايا الخلافية ، والمفارقة ان تلك المبادرة التي انطلقت من حرص عربي على لملمة الخلافات و تسوية الصراعات بين الاطراف السياسية العراقية المتناحرة ، استغلت كمناسبة و عنوان بعد فترة وجيزة من اطراف معينة شاركت في اجتماعات القاهره لأتهام اطراف اخرى ساهمت معها ، بالارهاب ولاحقتها بقضايا مفتعلة و كيدية كما حدث في شباطر (فبراير) 2006 عقب حادثة سامراء ، واتهمت الجامعة العربية صاحبة المبادرة ايضاً بأنها منحازة الى هذا الطرف ضد ذاك ، او انها تتدخل في شأن داخلي ، وماقيل في تلك المبادرة تكرر مؤخراً على دعوة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز التي حثت الاطراف السياسية و الكتل النيابية للأجتماع في الرياض تحت مظلة الجامعة العربية للحوار والبحث في افضل السبل وانجع الوسائل للأسراع بتشكيل الحكومة الجديدة ، فقد رفضها طرفان اساسيان في المشكلة القائمة هما الائتلاف الشيعي الذي يقوده رئيس الحكومة الحالية المنتهية ولايتها نوري الماكلي والتحالف الكردي برئاسة مسعود بارزاني ، والاخير اعتبرها ضد دعوته التس اسمها مبادرة ايضا في استضافة رؤساء وقادة الكتل المتخاصمة في اربيل حيث عقدوا جلسة واحدة هناك ثم نقلت الى بغداد .

وفي التقييم الموضوعي للمبادرة السعودية المذكورة انها جاءت متأخرة زمنياً ، وغير مدروسة عمليا و خصوصا فيما يتعلق بالجانب الحكومي المتمثل في القيادرات الشيعية و الكردية التي ماتزال تتهم السعودية كدولة منحازة لغيرها من الفئات العراقية ، وانها تتدخل في الشؤون الداخلية للعراق ، كما نها وصفت من تلك القيادات بأنها تأتي لأنقاذ القائمة العراقية من المتاعب التي تواجهها داخليا و ايرانيا في قضية استحقاقها الانتخابي .

وحول التدخلات الاقليمية في عراق مابعد مرحلة الاحتلال ، فأنها لم تعد خافية على احد وخاصة التدخل الايراني الذي وجد بيئة و انصارا ومساحة واسعة للتحرك والنشاط اللذين لم يقتصروا على التدخل السياسي فحسب بل امتدا الى ميايدن اخرى دينية و طائفية واستخبارية و اقتصادية واجتماعية وميليشاوية ، حتى اصبحت ايران القوة المتدخلة الاولى في العراق و تتفوق على التدخل الامريكي وجهده الاحتلالي في كثير من الوجوه والاشكال ، وهنا يجب الا يغيب عن البال التواطؤ الامريكي او التغافل عن التدخلات الايرانية التي ماكان لها ان تتم بهذا الحجم والانتشار لولا التفرج الامريكي عليها حينا والتأييد الضمني المستتر لها في احيان اخرى ، وفي رأيي ومن خلال المتابعة اعتقد ان ثمة تخادما سياسيا بين واشنطن و طهران غير منظور وليس ظاهرا للعيان ، ولكن مؤشراته و معطياته تبدوان واضحة ، فأمريكا خدمت ايران عندما اسقطت النظام السابق و قوضت الدولة العراقية ، و ايران خدمت امريكا عندما سمخت للأحزاب والشخصيات السياسية الموالية لها بالتعاون مع الاحتلال وتسلم المراكز والمراتب العالية في المرحلة التي اعقبت نيسان (ابريل) 2003 ، و امريكا تغاضت عن تسلل العرب الافغان و جماعات القاعدة الى العراق عبر الحدود الشرقية المفتوحة فكانت الخدمة ثنائية و مزدوجة انتفعت ايران منها سياسيا و اظهرت نفسها و كأنها تدعم الجهاد ضد امريكا والتي استفادت من الامر ضمن سياساتها الاستخبارية واللوجستية والقتالية ضد القاعدة ، اضافة الى مشتركات اخرى بين الدولتين غير منظورة وليست مباشرة .

اما التدخلات العربية في العراق فهي تدخلات تجري على استحياء وتكون دائما عبر اطراف اما انها غير نافذة و مؤثرة في الداخل العراقي ، او انها مطاردة و ملاحقة من امريكا والاجهزة والقوات الحكومية وايران ، كما ان التدخل العربي يأخذ في بعض الاحيان اشكالا انسانية و خيرية لبعض الجهات و الفئات ولكنه في العموم يتسم بالحذر والتردد على عكس التدخل الايراني السافر والمكشوف وهذا يعود اساسا الى قوة زخم التدخل الايراني وفق مخطط مبرمج سلفا وقة استقباله في الداخل العراقي على عكس التدخل العربي الذي يواجه برفض من اطراف محلية و معارضة الحكومة و مناوئة الجهات الامريكية ، ويبقى التدخل التركي في العراق وهو يتم بسلاسة و هدوء و بنشاط موزع على السياسة و الدبلوماسية والتجارة والنقل وتبادل السلع وهو تدخل تراه فئات الشعب العراقي غير خطر ، ولكل فئة رؤاها الخاصة فالاكراد رغم الحساسية التي في اعماقهم ضد تركيا لايشعرون الا بالقلق من التدخلات التركية في مناطقهم في حالات مطاردة القوات التركية لمسلحي و عناصر حزب العمال الكردي التركي في شمالي العراق ، وثمة تعاون خفي بين قيادات معينة في الاحزاب الكردية الاساسية مع الجهات التركية المعنية بالانشطة المعادية لها من الحدود العراقية ، كما ان التدخل الكردي في الشمال العراقي يأخذ اشكلا تجاريا واسعا عبر وجود مقرات و فروع و نشاطات المئات من الشركات التجارية التي تتخذ من البيئة والمنطقة الكردية منافذ لها ، ويعتقد السنة العرب التدخل التركي في العراق ضروريا و مطلوبا لأعتبارت تاريخية و دينية و اجتماعية ويلحون بالمزيد منه لموازنة التدخل الايراني وضعف التدخل العربي ، فيما لا يجد التدخل التركي في مناطق الفرات الاسفل والجنوب العراقية اي غضاضة او حساسية باستثناء جماعات معينة تخشى من اتساع النفوذ التركي من زاويتها رغم ان احزابا و قيادات شيعية موصوفة طائفياً تنظر الى التجربة السياسية و الحزبية بأعجاب و تمنيات بأن تكون مشابهة لها كابراهيم الجعفري زعيم حزب الدعوة سابقاً الذي اعلن اكثر من مرة بأنه يدرس تجربة اردوغان في تركيا و يأمل في تطبيق جوانب منها مستقبلاً .

ان العراق في ظل ما مر به وما شهده من احداث و نكسات و صراعات وتدخلات يواجه اليوم انقساما حادا في الداخل على صعيد المجتمع والخيارات وصراع الارادات الاقليمية والدولية و يواجه ايضاً استقطاباً حادا من الخارج يفرض اجندته و اهدافه بالقوة تارة والتراضي والتعاون مع فئات وجهات معينة تارة اخرى ، وليس من اليسير انتشال العراق من اوضاعه المتدهورة في جميع المجالات والميادين الا عبر مشروع سياسي واقتصادي واجتماعي وامني و عسكري ضخم يلتزم وقتا و موارد و جهودا ودعما اقليميا و دوليا نزيها والحديث على هذا الصعيد له مناسبة اخرى.

 

 

 

 

 

 

 

0
  • تويتر
  • فيسبوك
  • جيميل
  • ياهو
  • واتساب
  • تليجرام
ابعاد الازمة السياسية في العراق و استشراف مستقبل العراق في ضوء الاحداث الحالية
أهم المعايير الدولية للانتخابات
mm

المركز العراقي

نرشح لكم

  • نتائج استطلاع الرأي الذي اجراه المركز حول مؤتمر جوار العراق المزمع عقده في بغداد والذي دعى اليه السيد الكاظمي

    نتائج استطلاع الرأي الذي اجراه المركز حول مؤتمر جوار العراق المزمع عقده في بغداد والذي دعى اليه السيد الكاظمي

    ... نتائج استطلاع الرأي الذي اجراه المركز حول مؤتمر جوار العراق المزمع عقده في بغداد والذي دعى اليه السيد الكاظمي اقرأ المزيد
  • التقرير السنوي للمركز العراقي للدراسات الاستراتيجية تموز ٢٠٢٠م – تموز ٢٠٢١م

    التقرير السنوي للمركز العراقي للدراسات الاستراتيجية تموز ٢٠٢٠م – تموز ٢٠٢١م

    المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية   التقرير السنوي تموز ٢٠٢٠م – تموز ٢٠٢١م   ندرج في ادناه النشاطات العلمية... التقرير السنوي للمركز العراقي للدراسات الاستراتيجية تموز ٢٠٢٠م – تموز ٢٠٢١م اقرأ المزيد
  • فوز ابراهيم رئيسي وأثره على العلاقات الامريكية الايرانية وانعكاساته على العراق

    فوز ابراهيم رئيسي وأثره على العلاقات الامريكية الايرانية وانعكاساته على العراق

    ” الحلقة النقاشية التي نظمها المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية في ٣/٧/٢٠٢١ بعنوان ” فوز ابراهيم رئيسي... فوز ابراهيم رئيسي وأثره على العلاقات الامريكية الايرانية وانعكاساته على العراق اقرأ المزيد

أحدث المقالات

  • العراق بعد عشرين عام على احتلاله.. كشف حساب
  • الدعوة لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب خلال حرب تحرير الموصل
  • الأهمية الدستورية والسياسية للمجلس الاتحادي في العراق
  • التفاوض نحو تشكيل حكومة تحالف وطني للتغيير
  • نتائج الدراسة الاستبيانية التي أجراها المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية لانتخابات 2021

تصنيفات

  • Uncategorized
  • أخبار المركز
  • اصدارات المركز
  • المزيد
  • تقارير
  • تقدير موقف
  • دراسات
  • فعاليات
  • مراجعات الكتب
  • ملفات
  • Twitter
  • Facebook
  • YouTube
  • RSS

أحدث المقالات

  • العراق بعد عشرين عام على احتلاله.. كشف حساب
  • الدعوة لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب خلال حرب تحرير الموصل
  • الأهمية الدستورية والسياسية للمجلس الاتحادي في العراق

تصنيفات

  • Uncategorized
  • أخبار المركز
  • اصدارات المركز
  • المزيد
  • تقارير
  • تقدير موقف
  • دراسات
  • فعاليات
  • مراجعات الكتب
  • ملفات
  • الرئيسية
  • ملفات
  • أخبار المركز
  • فعاليات
  • إتصل بنا

  • من نحن

  • اعضاء المركز

  • Twitter
  • Facebook
  • YouTube
  • RSS
جميع الحقوق محفوظة © 2020 المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية
Powered by iraqicss | iraqicss

  • تويتر
  • فيسبوك
  • جيميل
  • ياهو
  • واتساب
  • تليجرام