عقد المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية في 15/5/2010 بعمان ندوة تحت عنوان (عراق مابعد الانتخابات) شارك فيها نخبة من الباحثين المتخصصين في مختلف الشؤون العراقية سياسياً و امنياً و اقتصادياً واجتماعياً و تربوياً ، وعدد من السياسيين من الفعاليات العراقية من داخل العملية السياسية و خارجها وقدمت بحوث و دراسات في الندوة وجرت نقاشات و مداخلات مستفيضة تابعت ادق تفاصيل الواقع العراقي و خاصة آفاق ماينتظره لما بعد انتخابات السابع من آذار / مارس 2010 و ماتركه من تداعيات امنية وسياسية على معظم المدن العراقية وشاركت في فعاليات الندوة 100 شخصية سياسية و فكرية عراقية و اردنية وايرانية ..
في البداية القى الشيخ خميس فرحان الخنجر رئيس مجلس ادارة المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية كلمة رحب فيها بالحضور واكد ان دأب المركز على ملاحقة الملف العراقي من جانب المركز يعكس حقيقتين الاولى اهمية مايجري في الساحة العراقية من احداث مفصلية لايمكن ان تنحصر تداعياتها داخل حدوده او يمكن أن تنقطع عند الجيل العراقي الحالي ، بل ستمتد جغرافياً الى دول المنطقه والعالم سلباً او ايجابياً بحكم موقع العراق في التاريخ و الجغرافيه ،وتاريخياً سيتواصل تأثيرها على مستقبل العراق لعدة اجيال و ربما لعدة قرون قادمة .
و شدد الخنجر على ان المركز يتعاطى مع الموضوعات المطروحة على بساط البحث بمنهجية و حرفية عاليتين ، منحازاً الى الحقيقة وحدها ، محاولاً تفسيراً الواقع وصولاً الى مايتطلع اليه العراقيون من أمن و استقرار و رفاهية لبلدهم وشكر رئيس مجلس ادارة المركز المشاركين في الندوة مؤكداً على صراع الحجة بالحجة ، وعلى حتمية تغليب الحكمة على ماسواها ..
بعد ذلك وفي المحور الاول من محاور الندوة قدم الدكتور باسل حسين الباحث في المركز دراسة تحليليه عن نتائج الانتخابات النيابيه ، مشيراً الى اعتماد المركز في الاستبيان الذي اجراه قبيل الانتخابات على احدث الاساليب المعتمدة في هذا المجال ، و لهذا تميزت النتائج التي تم التوصل اليها بالاقتراب من نتائج الانتخابات الى حد التطابق معها ، وهذا بحد ذاته كان حدثاً متميزاً في عالم الاستبيانات في العراق ، تحول الى خبر ذي مداليل علمية معتمدة لدى المعاهد و المراكز المماثلة ، مما يجعل مركزنا وعلى الرغم من عدم استقرار صورة المشهد العراقي اصلاً ، رائداً في مجال توقع ماتفرزه الاحداث في الداخل استناداً الى حسابات علمية و ثيقة .
ثم قدمت الدكتورة وصال العزاوي مدير المركزبحثاً بعنوان (الائتلافات الحكومية – والبرنامج الحكومي في العراق) اجرت فيه مسحاً دقيقاً لطبيعة التحالفات السياسية التي نشأت قبل الانتخابات الاخيرة و صلتها بالأئتلافات السابقة , واشارت الى ان الائتلافات الحكومية ليست قناطر يراد منها العبور الى السلطة .. او ان تشكيلها يتم عبر جهاز تحكم عن بعد خارج الحدود ؟
ان الائتلافات الحكومية هي حسابات سياسية واستحقاقات انتخابية توافقية عليها ان تثبت شرعيتها لان الشعب مارس حقه في السيادة وانتخب ومن حقه ان يسحب السيادة اذا لم يتمكن من انتخبهم تحقيق شرط مهم وهو الشرعية عن طريق تشكيله للحكومة وفقا للاستحقاق الانتخابي وعرض البرنامج الحكومي امام الشعب والتزامه بالتنفيذ استنادا لمبدأ المسائلة والشفافية ..
واكدت العزاوي على ان المشروع الذي يراد له ان يكون عابرا للطائفية والاثنية والمناطقية ,, مشروع للمواطن العراقي والوطن المستقل الموحد . وهو مشروع يتطلب اولا بناء الدولة الوطنية والدستورية وتأكيد الهوية والمواطنة … هو مشروع سياسي كبير وذو طبيعة استراتيجية وليس مشروعا انتخابيا وحسب , كما يتصور البعض الذي ينطلق – للاسف – من حسابات قصيرة النظر … والامل يبقى في تبني شعار ملزم للجميع وهو الانسان العراقي اغلى مانملك ومن اجله ومن اجل تضحياته ومعاناته علينا ان نرتقي ونسمو فوق الانا الخادعة … وبعكسه سيبقى العراقي الوحيد الذي يدفع ضريبة المال والدم .
بعد ذلك بدأت الاطراف المشاركة في الانتخابات الاخيره بعرض تصوراتها و مواقفها وجرت نقاشات مطولة و معمقة حول الافكار التي تم طرحها ..
وفي المحور الثاني وهو ( المتغير العراقي في العلاقات الامريكية الايرانية ) تحدث الدكتور علي نوري زاده – مدير مركز الدراسات العربية الايرانية – فقدم عرضاً شاملاً للسياسة الايرانية تجاه المحيط العربي ، ودور ايران في رسم معالم الاستراتيجية الدولية في المنطقة وتقاطع المصالح بين القوى الكبرى .. واشار نوري زاده الى ان المتغير الذي حصل في ايران عام 1979 ادى الى تداعيات خطيرة كبرى على المنطقة و استقرارها وامنها خاصة بعد ان رفعت الزعامة الايرانية الجديدة شعار لتصدير الثورة وهذا ماترك قلقاً عميقاً و متزايداً في دول المنطقة كلها .. ونتيجة لتفاقم التداعيات وقعت حرب الثماني سنوات التي اوشكت بنيرانها ان تنتقل الى دول الجوار دون استثناء ..
ان تبدل شكل العلاقات الاستراتيجية القوية القاتمه بين واشنطن وطهران الى حاله من العداء تركت ظلالها القاتمه على الكثير من العواصم ، فواشنطن كانت بحاجة الى زمن قبل ان تستعيد قدرتها على رسم استراتيجية بديله .. تهدف الى احتواء ايران الخميني بدلاً من الدخول في صدام مباشر معها .. وماتزال الولايات المتحدة في واقع الحال تتعامل بغباء مع الدور الايراني ، بعد سنوات من الاحتلال الامريكي للعراق ، ولكنها فجأة وجدت تضحياتها تذهب لصالح عدوها نظام الولي الفقيه ؛ فهل سعت امريكا لتفعيل ذلك عن قصد ، او انها
ارغمت على قبول هذه النتيجة وهي الان تحاول تدارك اخطائها الاستراتيجية في العراق ، عن طريق تقليص دور الحرس الثوري الايراني و ادواته المحلية المعروفة .
وتحدث الدكتور نصوح المجالي وزير الاعلام الاردني السابق في الندوة و أكد ان ماجرى في العراق كان حدثاً خطيراً على مستوى المنطقة والعالم ، و اذا كانت اسبابه المعلنه قد تداعت تباعاً، فأن نتائجه ماتزال تترك افاداً اكثر خطورة على توازنات المنطقة والعالم و أدت الى بروز ايران كقوة اقليمية رئيسيه في منطقة الخليج العربي ، فرضت على الولايات المتحدة اعادة النظر في آليات تحركها في المنطقة وعلى خطوط ارتباطها مع دولها .
اما الدكتور محمود عليمات الامين العام للجمعية الاردنية للعلوم السياسية فقد أشار في بحثه الى ان المنطقه تعيش ثنائية العلاقة القلقة بين الولايات المتحدة و ايران ، ومن الولايات المتحدة والدول الصديقة لها ، وانعكست هذه الثنائية على بروز حالة انعدام الوزن سياسياً و امنياً واقتصادياً ، وبروز سياسة المحاور وشهدت المنطقة سباق تسلح خطير نتيجة لنوايا غير مشروعة حملها البرنامج النووي الايراني .. ذي الاهداف البعيدة جداً عن المعلن من جانب الايرانيين ساسة و اعلاميين ..
وفي الجلسة الثالثة تم عرض موضوع الانسحاب الامريكي و معضلة الاستقرار ..
وتحدث اولاً الدكتور نظام بركات رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة اليرموك فأشار الى ان القوات الامريكية وحتى بعد الانسحاب فسوف تحتفظ بعدد كبير من القوات غير القتالية وهذا جزء من نص الاتفاقية الامنية بين العراق و الولايات المتحدة ، واكد ان وضع القوات العراقية لم تصل الى حد القدرة على ضمان الامن في العراق ، لأنها لم تشكل على اساس وطني و مهني .. واشار الى ان الاستقرار في العراق يمكن يتعرض لهزة في حال عدم احداث موازنة بين استعداد القوات الامنية العراقية لتنفيذ مهماتها والجداول الموضوعة للانسحاب كي لا يحصل فراغ أمني يمكن ان تستغله قوى اقليمية ، او يمكن ان تنتقل حالة عدم الاستقرار الى دول الجوار .
ثم قدم اللواء نبيل خليل العبيدي عرضاً لواقع العراق امنياً و عسكرياً بعد الانسحاب الامريكي فأشار الى ان متطلبات الامن الوطني العراقي تستوجب وجود قوات مسلحة على اسس وطنية و محصنة ولها عقيدة عسكرية واضحة المعالم تضع في الاعتبار الاول ان الدفاع عن الوطن هو اهم معالمها ، وان اعتماد مبدأ الحوار لتجنب ويلات الحروب مع دول الجوار يشكل العمود الفقري لهذه العقيده .
و أشار في بحثه الى ان اوضاع العراق غير المستقره و ضعف قواته المسلحه يمكن ان تغري كل من يعتقد ان له حقاً في العراق ان يلجأ الى استخدام القوة او التهديد بأستخدامها لذلك فأن الخطوة اللازمة يجب ان تتركز على تأسيس قوات مسلحه قوية قادرة على النهوض بأعباء الدفاع عن العراق .
ثم تحدث الخبير الاستراتيجي السيد سيف الدين ناصر مركزا على ان من غير الممكن ان تقوم الولايات المتحدة الامريكية بسحب كلي لقواتها من العراق طبقا لاستراتيجيتها وعقيدتها العسكرية والتي توصي بأنتشار طويل الامد لمجموعة دول الهلال الحديدي وهي الدول الممتدة من اسيا الوسطى حتى المحيط الهندي والتي تحوي على مراكز الطاقة العالمية وينبغي التواجد فيها لاكمال امتداد مظلة الدفاع ضد الصواريخ البالستية التي من المحتمل ان تنطلق ضد الكيان الصهيوني الحليف الاستراتيجي من ايران او باكستان …. واستنتج ان ماسيحدث هو اعادة انتشار لقوات منتخبة تبقى في عدد من القواعد المنتخبة داخل الاراضي العراقية .
وفي المحور الاخير للندوة والذي جاء تحت عنون ( انتهاكات حقوق الانسان في العراق ) ، تحدث الباحث في المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية السيد نزار السامرائي عن الانتهاكات في السجون والتعذيب في السجون السرية الحكومية و الامريكية ، وما تتعرض له المرأة والطفل منذ الاحتلال حتى الآن ، وتطرق الباحث الى موضوع انتهاك حق الولاء للوطن لدى الجيل الناشىء في الخارج .
وطالب بتدويل جرائم التعذيب و شمول الولاية القضائية للمحاكم الدولية للنظر في افعال الافراد و الحكومات المخالفة للاعلان العالمي لحقوق الانسان .
قم قدم الدكتور محمد بشار الفيضي الناطق الاعلامي لهيئة علماء المسلمين عن انتهاكات حقوق الانسان و عمليات الدهم و الاعتقال التي يتعرض لها العراقيون و كذلك التعذيب الذي ادى الى استشهاد المئات منهم ..
وتحدث الدكتور نصير السامرائي وهو خبير عراقي عن دور المنظمات الحقوقية والانسانية في متابعة ملفات الانتهاكات التي يتعرض لها العراقيون سواء في السجون او في الشارع .