تنبع أهمية المصطلحات في الاتفاقيات والدساتير والمواثيق من أنها الوعاء الذي تطرح فيه المصالح والافكار والتوجهات، فإذا ما اضطرب ضبط هذا الوعاء أو اختلت دلالاته التعبيرية أو تميعت معطياته،أو خفيت حقائقه اختل مقاصد هذه الاتفاقيات او الدساتير او المواثيق، ومثل دافعا للتشكيك من قيمتها الفعلية، او الوظيفية التي وجدت من اجلها. فضبط الاصطلاحات والمفاهيم ليس من قبل الإجراء الشكلي أو التناول المصطنع بقدر ما هو عملية تمس صلب المضمون وتتعدى أبعادها إلى نتائج منهجية وفكرية خطيرة.
وفي الخطاب السياسي او الاعلامي نجد أنواعاً من الغموض او عدم الاتفاق على تعريف جامع مانع شامل لكثير من الظواهر، ويعود ذلك في جزء منه إلى الدلالات المتعددة للكلمة الواحدة، او اختلاف الاديولوجيا او المدارس الفكرية.. الخ.
لكن في المسائل المتعلقة بالدساتير والاتفاقيات والمواثيق فالمصطلحات تتجاوز هذا كله إلى محاولة الدقة العلمية والوضوح في الدلالة، لتكون الكلمة دالة على
المفهوم المراد تحقيقه بشكل محدد متفق عليه بين المتعاقدين او المشرعين، بل مع اللجوء احيانا إلى شرح النص لتحديد تفسير مناسب للدلالة المقصودة لئلا يختلط المفهوم بغيره من المفاهيم المشابهة.
وبقدر تعلق الامر بالعلمية السياسية الجارية في العراق، فقد تم تعميم بعض المصطلحات في الدستور او في مشاريع القوانين، كي تبدو في كثير من الأحيان وكأنها موضوعية، أو واقعية، أو حيادية أو جذابة، أو قانونية أو طبيعية إلخ.. حتى تصبح إقامتها في وعينا إقامة طبيعية غير مرفوضة، وهي بعيدة كل البعد عن ذلك.
ويود المركز بيان قضيتين مهمتين من بين قضايا اخرى ، سيحاول المركز الاخذ على عاتقه بدراستها في وقت لاحق بروح الموضوعية، التي تجسد رسالة المركز المتعالية عن الصراعات السياسية ، وغير المنحازة لاية جهة سوى انحيازها الى الوطن.
القضية الاولى : (مصطلح الاقاليم):
1.الاقليم اصطلاحا : يعنى به إقليم الدولة الذي يقع تحت سيادتها بما في ذلك الجزر والبحر الإقليمي وكذلك مناطق الجرف القاري والمناطق البحرية الأخرى التي له حق السيادة او الولاية عليها وفقاً لقوانينه والقانون الدولي ، كما يعني تلك الحدود السياسية القائمة بالفعل والمعترف بها وفقا لمواثيق الامم المتحدة والقانون الدولي، ويعد الاقليم الاطار المادي الجغرافي من الارض التي تمارس فيها الدولة سيادتها و سلطتها على الافراد.
2 .الاقليم لغة : الاقليم هو ترجمة لمفردة ( territory ) باللغة الانكليزية ولمفردة (territoire ) باللغة الفرنسية.
ولعدم الدقة في الترجمة فان مفردة ( region ) تترجم الى الاقليم ، في حين ان الترجمة الصحيحة هي ( منطقة)، وهي تدل على نفس المعنى في اللغة الفرنسية (région) .
وبالتالي يمكن ان نلخص الى مسالة في غاية الاهمية ان استخدام مصطلح الاقليم في الدستور او في مشاريع القوانين للاشارة الى مناطق كردستان او انشاء لجان باسم لجنة الاقاليم والمحافظات ، هو استعمال غير موفق وليس في محله، ولايعد مناسبا على الاطلاق في الدستور العراقي او في المجالات لاخرى التي ذكرت .
ومع الاعتراض والتحفظ على تطبيق الفيدرالية ، نود ان نشير الى ان الدول الاتحادية لا تشر الى الاقاليم بمعنى (territory ) وانما بمعنى( region ) . اي مصطلح المقاطعات او المناطق او الولايات، ففي الولايات المتحدة والمانيا والسودان ونيجيريا والهند تستخدم الولايات، اما كندا فتستخدم المقاطعات .
إذن السؤال لماذا يتم الاشارة الى الاقاليم في العراق، إلا اذا يقصد منه شئ آخر.
وقد يسأل سائل : وماذا بخصوص اقليم الباسك؟ فنقول ان هذه ترجمة اعلامية اكثر من كونها دستورية ، فالدستور الاسباني يقسم اسبانيا الى 17 منطقة ادارية (Comunidades Autónomas ) بضمنها ( الباسك) ومفردة (( Autónomas تعني بالاسبانية منطقة ومرادفة لكلمة ( region ) في اللغة الانكليزية .
عليه يمكن ان نحكم بشكل يكاد ان يكون قاطعا ان استخدام مصطلح الاقاليم للاشارة الى منطقة كردستان او مناطق اخرى من العراق هو غير صحيح البتة، وينبغي رفعه من الدستور او من المشاريع الاخرى ذات الصلة. لان الاقليم يعد احد اركان الدولة ، وبالتالي لايمكن استخدام اصطلاح الاقليم للدلالة على منطقة داخل الدولة ايا كان شكلها اتحاديا ام غير ذلك. ويبدو ان استخدام السيد دي متسورا لتقريره في تموز مصطلح منطقة كردستان كان تعبيرا عفويا عن الاصطلاح القانوني وهو ما جوبه باعتراض من الاخوة الاكراد دفعت بالسيد دي متسورا ممثل الامم المتحدة في العراق الى الاعتذار عن عدم استخدام مصطلح اقليم كردستان ( وهو اعتذار امر واقع وعدم رغبة في اثارة العقبات امام مهامه اكثر من كونها نابعة من اقتناع شخص مختص يعمل في اعلى هيئة اممية )
القضية الثانية:مصطلح المناطق المتنازع عليها.
سبق للمركز العراقي للدراسات الاستراتيجية ان اثار في ندوته ( مستقبل الوحدة الوطنية في العراق في ضوء التطورات السياسية ) التي عقدت في عمان الشهر الماضي، اشكالية طرح مصطلح المتنازع عليه، وهذا مادفع بقوى سياسية وشخصيات سياسية مختلفة ان تعيد طرحه مرة اخرى، وكأنه تم اعادة اكتشاف هذا المصطلح .
ويود المركز اعادة هذا الطرح وان يؤكد عليه من خلال الاتي:
أ.ان “مصطلح المناطق المتنازع عليها” هو مصطلح اشيع استخدامه في العلاقات الدولية والقانون الدولي، وبالتالي فانه يصف او يعبرعن حالة تنازع بين دولتين او اكثر على احقية مناطق معينة سواء اكانت مناطق حدودية برية او بحرية او جزر او ارخبيلات .
ب.ان مصطلح “المناطق المتنازع عليها” لم يستخدم في اطار القوانين الوطنية او الدساتير الوطنية في جميع دول العالم ، وبالتالي فان المشرع العراقي سلك طريقا غير مألوف على الاطلاق في التشريعات الوطنية ، وهي سابقة خطيرة لانها ، توحي وكأن العراق مقبل على تنازع ما بين دويلات قد تنشأ لاحقا، او ان عدم دراية المشرع العراقي قد ادى الى اقحام هذا المصطلح ، وهذا غير ممكن لان العقل العراقي الذي انتج لنا مسلة حمورابي ومسلة اور- نمو ، قادر على فعل الشئ الكثير لو اتيحت له ابواب الحرية والابداع، وبالتالي النتيجة التي نخلص اليها ، ان غلبة الجانب السياسي على الجانب القانوني هو الذي عطل اعمال الفكر القانوني العراقي.
ج. ان المادة (140) ثانيا تقول:
المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية، والمنصوص عليها في المادة (58) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، تمتد
وتستمر الى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب هذا الدستور، على أن تنجز كاملةً (التطبيع، الاحصاء، وتنتهي باستفتاء في كركوك و”المناطق الاخرى المتنازع عليها “، لتحديد ارادة مواطنيها) في مدةٍ أقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الاول سنة الفين وسبعة.
ويمكن ان نستخلص الاتي:
- ان وضع عبارة والمناطق المتنازع عليها لكركوك، هي اخطر من تخصيص كركوك كمنطقة متنازع عليها، لان وضع عبارة عائمة كـ( المناطق الاخرى المتنازع عليها ) يجعل مع غياب التحديد او المعايير التي في ضوئها يتم تسمية المنطقة بالمتنازع عليها من عدمه العراق كله منطقة متنازع عليها ، وهو ما يؤدي الى خلق مشاكل لها اول وليس لها آخر.
- بالعودة الى افتقاد المعايير ، فان عدم وجود المعايير يجعل من السهولة بمكان الادعاء بالتنازع ، واستخدام ذلك لاهداف سياسية او انتقامية او تحت اي مسمى آخر، فمع عدم وجود معايير ثابتة يبقى هذا الاصطلاح بمثابة لغم يمكن ان ينفجر في اية لحظة.
- اشار بعض المهتمين والمختصين ( وهم محقون في ذلك ) الى ان انقضاء الموعد القانوني للمادة (140) ، يجعلها بحكم الملغية، وقد تم التركيز على كركوك فقط، في حين ان منطق الامور يقتضي ايضا الغاء مايسمى بالمناطق المتنازع عليها.