د. الناصر دريد مستشار المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية
انفجرت الازمة الخليجية في حزيران 2017 عندما قررت مجموعة الرباعي ( السعودية ، الامارات ، البحرين ، مصر ) قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر ، وقد تبعت بعض الدول الاخرى دول الرباعي بدرجة أو بأخرى ( مثل ادارة عبد ربه منصور في اليمن ، وجزر المالديف ، جزر القمر، موريتانيا ، النيجر ، ليبيا ) كما خفضت كل من الأردن وجيبوتي مستوى التمثيل الدبلوماسي مع قطر ، وتعود جذور الأزمة إلى أحداث الربيع العربي التي اندلعت عام 2010 ، إذ أفرزت تلك الأحداث بروز التيار الإسلامي الذي حاول قيادة الاحتجاجات في الشارع العربي ضد الانظمة الدكتاتورية العربية وبرغم اتفاق دول الخليج على دعم الانتفاضات العربية ( باستثناء الاحتجاج الكويتي على إسقاط مبارك في مصر والرفض السعودي للتغيير في تونس ومصر ) بدرجات متفاوتة ، إلا أن الخلاف برز بعد ذلك اثر اندفاع قطر ( وبدعم من إدارتي الرئيسين اردوغان واوباما في تركيا والولايات المتحدة ) في تأييد الخط الاسلامي ، لاسيما الاخوان المسلمون والأحزاب التابعة لهم على مستوى المنطقة ، وبالذات بعد وصولهم للسلطة في أكثر من بلد ( مصر وتونس والمغرب) الامر الذي اثار الخوف في العديد من دول المنطقة أن تكون هذه هي البداية لتغييرات قد تمتد لتشمل جميع انظمة المنطقة ، وقد كانت خاتمة الجهود السعودية ، الاماراتية ، ، لاحباط جهود المحور القطري التركي متمثلاً بدعم التغيير الذي اطاح بحكومة الاخوان المسلمين في مصر في 2013 وبدأ واضحاً منذ اللحظة الاولى الانقسام بين موقف الرياض الودي من هذا التغيير وموقف الدوحة الرافض له ، وما لبث الخلاف ان اندلع بشكل معلن في 2014 اثر قيام الرياض وابو ظبي والمنامة بسحب سفراءهم من الدوحة احتجاجاً على موقف الاخيرة من نظام السيسي في مصر ، وتمت معالجة الازمة بشكل مؤقت لتندلع مرة ثانية في 2017 بشكل نهائي ، اذ اكدت الحكومة القطرية ان موقع وكالة الانباء القطرية قد تم اختراقه لوضع تصريحات مختلقة على لسان امير قطر بؤكد فيها دعمه لايران وحماس وحزب الله واسرائيل ، وتم تبادل الهجمات الاعلامية والاختراقات المتبادلة لمواقع رسمية او شبه رسمية للطرفين وتم توجيه العديد من الاتهامات المتبادلة بين الطرفين والتي توجت بقطع العلاقات وسحب السفراء في 5 حزيران 2017 وفي 7 حزيران اقر البرلمان التركي ارسال 5 الآف جندي تركي الى قطر وفي 9 حزيران صرح الرئيس الامريكي ترامب مؤيداً اتهام قطر بدعم الإرهاب ، وفي 22 حزيران قدمت دول الرباعي شروطها لاعادة العلاقات مع قطر عبر الوساطة الكويتية وأعلنت قطر في 6 تموز رفضها الاستجابة لهذه الشروط وبدأت المقاطعة ضد قطر ، وقد أدت هذه المقاطعة لآثار وخيمة على المستويات السياسية والنفسية والاقتصادية طوال أكثر من 25 شهر ، فكيف تم حل الازمة فجأة مؤخراً ؟
وقد اختلفت الآراء حول سبب التغيير المفاجئ في الموقف السعودي والذي أدى الى تغيير كامل موقف الرباعية وانهيار الحصار المفروض سياسياً واعلامياً واقتصادياً على قطر ، لا سيما وأنه جاء بعد زيارة المبعوث الأمريكي الخاص ومستشار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر في أواخر عام 2020 ، ما زاد في غرابة التوقيت أنه جاء عقب إعلان نتائج الانتخابات الامريكية وتأكد خسارة الرئيس ترامب امام الرئيس الامريكي الحالي جوزيف بايدن ، الأمر الذي طرح العديد من التساؤلات عن سر المبادرة التي قام بها الرئيس ترامب عبر صهره ومستشاره في الايام الاخيرة قبيل خروجه من البيت الابيض ، واذا كان ترامب مهتماً بالمصالحة بين الفريقين فلماذا لم يبادر بها قبل خسارته الانتخابات ؟ والسؤال الأهم هو لماذا استجابت السعودية لمبادرة رئيس خسر الانتخابات ولم يعد له التأثير الكبير الذي كان له قبل الانتخابات ؟ بل وكيف استطاع كوشنر اقناع السعودية بتغيير موقفها 180 درجة حيال قطر بهذا الشكل رغم علم الجميع بقرب مغادرته موقعه ؟
تذهب الفاينانشال تايمز في مقال لها ، الى الاشارة الى قلق السعودية من الإدارة الامريكية الجديدة هو ما دفعها الى قبول وساطة كوشنر، بعدما هاجم الرئيس الأمريكي إبان حملته الانتخابية السياسات السعودية في أكثر من موضع وزاوية وقد رسم مستشار المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية الدكتور الناصر دريد في لقاء إعلامي معه بتاريخ 11 ديسمبر سيناريو متوقع حول أسباب هذه المصالحة ، بالقول انها قد تكون مقدمة لعمليات التفاوض المتوقعة بين الولايات المتحدة وإيران مع قدوم ادارة بايدن للسلطة ، فبعد ان اشتكت الدول الحليفة لواشنطن من استبعادها من عمليات التفاوض التي جرت بين الدول الخمس الكبرى وإيران إبان إدارة اوباما في الاتفاق النووي فقد قررت ادارة بايدن مساراً متخلفاً لهذا التفاوض هذه المرة بإشراك دول المنطقة في هذا التفاوض بشرط التصالح فيما بينها وانهاء الملفات العالقة بينها لتتمكن من الحضور كصوت واحد في التفاوض المتوقع والمزمع عقده ، وهذا ما يفسر اتفاقات السلام بين الإمارات والبحرين من جهة وإسرائيل من جهة ثانية ، كما يبرر المصالحة الخليجية الاخيرة … ، وبغض النظر عن اسباب هذه المصالحة ، الا ان معطياتها ما زالت قيد التفاعل حتى ساعة كتابة هذا التقييم.